تم نشر وثائق أمريكية شديدة الحساسية على الإنترنت / صورة: وكالة فرانس برس / صورة: AFP (Stefani Reynolds/AFP)
تابعنا

تسريب هذه الوثائق يعتبر الأخطر من نوعه أمريكياً منذ 2013 عندما سرب عميل الاستخبارات الأمريكي إدوارد سنودن 1.7 مليون وثيقة كشفت تجسس الحكومة الأمريكية على مواطنيها سراً، علاوة على مسؤولين أجانب من بينهم قادة حلفاء لواشنطن.

"TRT عربي"، تطرقت في تغطيتها إلى الوثائق الأخيرة المسربة، بخاصة العجز الذي تعاني منه الدفاعات الجوية الأوكرانية، مع قرب نفاد ذخائر أنظمة "S-300"، وتحديداً في الفترة ما بين منتصف أبريل/نيسان الجاري، ومطلع مايو/أيار المقبل وتأثيره على سير المعارك "في حال لم يجرِ تعويض نقصها".

صحيفة "الغارديان" البريطانية كشفت وثيقة أظهرت تحذيراً استخبارياً أمريكياً في فبراير/شباط الماضي مفاده، أن أوكرانيا قد تفشل في حشد ما يكفي من القوات والأسلحة للهجوم المضاد المخطط له في الربيع، وقد تكون النتائج "أقل بكثير" من أهداف كييف لاستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا.

بدورها كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن إحدى الوثائق السرية، وهي عبارة عن تحليل أجرته وكالة استخبارات الدفاع، حددت 4 سيناريوهات "غير متوقعة" لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، التي رجحت استمرارها لفترة طويلة.

وتشمل السيناريوهات الأربعة الافتراضية، وفق الوثيقة التي يعود تاريخها إلى الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الغزو الروسي، مقتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتخلص من قيادات القوات المسلحة الروسية، وشن أوكرانيا ضربات عسكرية مباشرة على الكرملين.

بين روسيا وأوكرانيا

روسيا تساورها الشكوك بشأن الوثائق الأمريكية المسربة، إذ قال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، إنها قد تكون وهمية لتغذية حملة تضليل من جانب واشنطن تهدف إلى "خداع" روسيا، مشيراً إلى أن موسكو ليس لديها موقف في هذه المرحلة.

أما المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فقالت إن السبب في تسريب وثائق البنتاغون "ربما يكون مرتبطاً باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية".

بدوره أكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا لا تعرف في هذه المرحلة "مدى مصداقية هذه الوثائق"، لكنه شدد على أن بلاده تعلم بما سماه "تورط دول الناتو بما كان يحدث في أوكرانيا دون تسريب أي وثائق أمريكية"، ولديها معلومات تفيد بوجود عدد من مدربي الناتو وكذلك من المقاتلين يشاركون بالأعمال العسكرية هناك.

وفي هذا السياق نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "bbc" عن وثيقة مسربة مؤرخة بـ23 مارس/آذار الماضي، أن بريطانيا وعدداً من الدول الأخرى لديها قوات عسكرية خاصة تعمل داخل أوكرانيا.

وتمتلك بريطانيا أكبر مجموعة من القوات الخاصة إلى أوكرانيا بـ50 جندياً، تليها لاتفيا العضو في الناتو بحوالي 17 جندياً، وفرنسا بـ15 جندياً، والولايات المتحدة بـ14، وهولندا بجندي وحيد، فيما لم تذكر الوثيقة مكان وجود القوات أو المهام التي تنفذها.

في الجهة المقابلة وصف وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، الوثائق المسربة بأنها "مزيج من المعلومات الصحيحة والكاذبة" عن جيش بلاده، لكنه قلل من تأثيرها السلبي.

وأشار إلى أن "المستفيد من هذا العمل روسيا وحلفاؤها أو أتباعها"، معتقداً أن الهدف "خفض مستوى الثقة بين شركائنا، وخصوصاً الولايات المتحدة ودولاً أخرى". كما نفى وجود قوات خاصة من الناتو في أوكرانيا.

وحول الهجوم المضاد، توقع رئيس وزراء أوكرانيا دينيس شميهال، أن تشن كييف هجومها المرتقب ضد القوات الروسية بحلول نهاية هذا الصيف، مبيناً أن بلاده لا تشعر "بالضغط من أصدقائها وشركائها".

وهذه أول إشارة علنية من طرف أوكرانيا حول تأجيل الهجوم المضاد الذي قالت عنه مراراً إنه سيكون في الربيع الحالي، فيما نقلت شبكة "CNN" عن مصدر مقرب من الرئيس الأوكراني، أن كييف "غيّرت بالفعل بعض خططها العسكرية بسبب هذه التسريبات".

تسريبات مهمة مع جهوزية مسرح العمليات

يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس فرحات، إن هناك احتمالاً بأن تكون الوثائق حقيقية حول الحرب الأوكرانية وخطة الهجوم المعاكس، ومعلومات عن الخسائر البشرية لدى طرفي القتال وغيرها، وقد تكون "فخاً" رماه الأمريكان ليتلقفه الروس بهدف الوقوع في حبال خديعة أمريكية أوكرانية في الحرب.

ويصف "فرحات" في حديثه مع TRT عربي، التسريبات بأنها "مهمة في مرحلة بداية الربيع وجهوزية مسرح العمليات، بخاصة الأرض وصلابة التربة وإمكانية استعمال الآليات"، لكنه نفى أن تكون نقطة تحول في مسار الحرب.

ويوضح أن أوكرانيا هي أكبر المتضررين، لأن الوثائق كشفت عن قوام قواتها التي تتحضر للهجوم المضاد، مبيناً أنها تبلغ -بحسب الوثائق- نحو 12 فرقة أنهى معظمها تدريبه، ويبلغ عدد عناصر الفرقة الواحدة بين 4 و5 آلاف جندي.

وكانت "الغارديان"، قد اطلعت على وثيقة مسربة مؤرَّخة بـ23 فبراير الماضي، تعطي لمحة عامة عن التقدم المحرز في بناء 12 لواء جديداً لقيادة الهجوم المضاد، مجهزين بعتاد مكون من 253 دبابة ونحو 1500 مركبة مدرعة من مختلف الأنواع.

وجاء في الوثيقة أن الألوية التي عُول عليها للمشاركة في الهجوم المضاد كانت بعيدة عن الجهوزية لخوض القتال، إذ لم يبدأ تدريب خمسة ألوية منها وقت كتابة الوثيقة. فيما كان لدى ستة من الألوية الأخرى نصف أو أقل من المعدات التي يحتاجون إليها.

ويلفت العميد المتقاعد إلى أنه في حال كانت هذه المعلومات صحيحة فإنها تفيد الجانب الروسي في معرفة نوايا الأوكرانيين وتمركز الوحدات على الجبهة، مؤكداً أنه سيكون لهذه الوثائق "تأثير كبير".

ويوضح قائلاً إن الهجوم المضاد سيكون إيجابياً للأوكرانيين "في حال كانت المعلومات مضللة للجانب الروسي"، قبل أن يؤكد بأنه "لا يمكن تقدير صحة المعلومات لأنه من غير المعروف جميع هذه الوثائق والتعديلات التي يحتمل بأن تكون قد أدخلت عليها".

وفيما يتعلق بمواصلة الحلفاء الغربيين إمداد كييف بالأسلحة والذخائر، يوضح العميد المتقاعد بأن التسريبات لن يكون لها تأثير في الإمدادات التي تدفقت إلى أوكرانيا ووصل معظمها إلى قوات كييف، فيما تمكن الروس من تدمير جزء منها في هجماتهم الجوية والمسيّرة.

ويزيد أنه يمكن استمرار تدفق المساعدات العسكرية خصوصاً الدبابات التي جرى الحديث عنها من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، لكنه أكد صعوبة عملية توريد الطائرات المقاتلة "لأن إرسالها جواً يُكشف بالرادارات الروسية وشحنها وإعادة تركيبها معقد أيضاً".

احتمالات عدة

بدوره يقول المحلل المتخصص في قضايا الدفاع والأمن أكرم خريف، إن التسريبات لم تظهر كلها حتى الآن، ولكن تعتبر "فضيحة للجيش الأوكراني واستعداده لشن هجوم مضاد ضد الروس".

ويوضح "خريف" في حديثه مع TRT عربي، أن التسريبات تعطي نظرة عن مدى استعداد أوكرانيا وتعداد جيشها وعتاده، وتعطي أيضاً نظرة عن مخزون ذخيرته الذي قال إنه أصبح ضئيلاً جداً.

ويعرج كذلك على القراءات التي تجزم ببطلان الوثائق المسربة، وإمكانية أن تكون في سياق "حرب نفسية أو تضليل يخدم عدة أغراض"، مشيراً إلى أنها قد تكون كذلك لتبرير إيقاف تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية أو الاستغناء عن الهجوم المضاد بعد فقدان آلاف الجنود والمعدات في موقعة باخموت، كما أنه من الممكن أن يكون هدف التسريبات "تضليل القوات الروسية لمباغتتها في الميدان"، وفق قوله.

واشنطن أكبر المتضررين

رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات العامة في لندن الدكتورة رنا خالد تقول إن واشنطن هي أكبر المتضررين من الوثائق المسربة لسببين أولهما؛ أنه في حال كانت التسريبات مقصودة أو جرى الحصول عليها سيبرانياً فإن المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية "تخسر ثقة الحلفاء، وتقدم انتصاراً لروسيا في قدرتها على اختراق هذا النوع من المعلومات الحساسة".

وتوضح "خالد" في حديثها مع TRT عربي، أن السبب الثاني من وجهة نظرها أن الوثائق كشفت تردد الحلفاء الغربيين وانقسامهم، مشيرة إلى أن "حجم الانقسام كبير لا يتعلق فقط بتسليح ودعم أوكرانيا فحسب بل بالموقف من الصراع مع روسيا والصين ككل وهو انقسام يهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة في العالم".

وتعتقد "خالد" أن التسريبات لم تكشف شيئاً سرياً أو جديداً، مستدلة بأن الجميع يعرف أزمة الذخائر والدفاعات الجوية الأوكرانية، ومع ذلك لم تستبعد أن تشكل التسريبات ضغطاً في الرأي العام الغربي بهدف دفع الحكومات إلى "تقديم المزيد من الدعم لتسليح أوكرانيا وبأسرع وقت ممكن".

إحراج ورسائل تحذيرية

أما الباحث في الشؤون الروسية الأوروبية الدكتور باسل الحاج جاسم يرى أن هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها مثل هذه التسريبات الأمريكية، مشيراً إلى أن ردود الأفعال على محتواها ورد الفعل الأمريكي بفتح تحقيق حول طريقة تسريبها والمسؤول عنها، علاوة على دقة بعض البيانات وتفاصيلها "تكشف صحة هذه الوثائق".

ويعتقد الحاج جاسم في حديثه مع TRT عربي، أن روسيا المستفيد الأكبر من التسريبات لكونها "كشفت عن أساليب وطرق حصول واشنطن على المعلومات، ومدى وحجم اختراقها للمؤسسات الروسية"، فيما كان أكبر المتضررين حلفاء واشنطن "التي تثبت تجسسها المستمر على أقرب حلفائها".

ويرى أنها سوف تسبب إحراجاً بين حلفاء الولايات المتحدة، في ظل عملية التأكد الجارية من الوثائق ومعرفة الصحيح والمزيف منها، لافتاً إلى أن الوثائق لم يجرِ الحصول عليها عبر قرصنة أو سرقة، وإنما جرى تسريبها.

وحول تأثير الوثائق المسربة على خطط أوكرانيا العسكرية، يقول إنه من المبكر الحكم على ذلك، علاوة على أنه من الصعب تحميل هذه التسريبات أكثر مما تحتمل، بحيث تؤثر على مسار الحرب، لكن أكد أنه سيكون لها تأثير ستتضح ملامحه لاحقاً.

ويستبعد كذلك تأثير التسريبات في وحدة التحالف الغربي ضد روسيا، لكنه -وفق قوله- قد تؤثر في طبيعة عمل الأجهزة الأمنية لدول التحالف الغربي مع واشنطن.

ويوضح أنه قد تكون هناك بعض الوثائق المتعمد تسريبها تتضمن رسائل تحذيرية غير مباشرة لبعض الدول بعدم التعاون مع موسكو سواء كانت المعلومات التي تتضمنها صحيحة أو غير صحيحة.

وفيما يخص الهجوم المضاد، يرى أن الوثائق لم تكشف جديداً لأن الأوكران منذ فترة يعلنون عن خططهم الهجومية، مشيراً إلى أن إعلان رئيس الوزراء الأوكراني تأجيل الهجوم إلى نهاية الصيف بدلاً من الربيع قد يكون نتاج التسريبات أو أن إمكانية الفشل فيه كبيرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً