استراتيجية تركيا للنهوض بالإنسان الصومالي عبر دعم التعليم (Reuters)
تابعنا

كان لافتاً الاحتضان التركي للمخترع الصومالي الشاب عبدي آدم، ونقله وعائلته بطائرة خاصة إلى تركيا للمشاركة في مهرجان تكنوفيست 2020، وهو في الحقيقة تمثيل بسيط لمحاولة أنقرة دعم الإنسان الصومالي في مجال التعليم.

وعلى الرغم من أن تركيا أكبر الداعمين للصومال في مجالات متنوعة سياسية واقتصادية وعسكرية، فإن التعليم وصناعة الإنسان الصومالي القادر على المساهمة في بناء بلاده وتطويرها من أكثر المساهمات التركية أهمية واتساعاً.

انهيار الدولة وانهيار التعليم

كان السقوط الدراماتيكي للدولة في الصومال منذ عام 1991، بداية لحقبة عانت فيها البلاد حرباً أهلية طاحنة وتمزقت إلى مجموعة من الكيانات السياسية، ورافق ذلك انهيار في المنظومات الحيوية وفي مقدمتها قطاع التعليم.

وبعد قرابة ثلاثة عقود لا يزال التعليم في الصومال "تحدياً"، وفق منظمة رعاية الطفولة والأمومة الأممية اليونيسيف، التي ذكرت أن "أكثر من ثلاثة ملايين طفل في الصومال غير ملتحقين بالمدارس"، وأن الفقر والمخاوف الأمنية ونقص المعلمين وقلة توافر مرافق الصرف الصحي من العوامل التي تمنع الآباء من تسجيل أطفالهم في المدارس محدودة العدد أصلاً.

تعليم أساسي حيوي ومتنوع

كانت المجاعة التي ضربت الصومال والقرن الإفريقي عموماً عام 2011، جرسَ إنذار ترددت أصداؤه في أنقرة، إذ زار رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان وعقيلته السيدة أمينة أردوغان زيارة تاريخية لفتت أنظار العالم إلى ضرورة التحرك لدعم الصوماليين، كما مثلت ضربة البداية لخطة استراتيجية شاملة لتحقيق هذا الهدف.

وبالنظر إلى التعليم، يمكن القول إن هذه الاستراتيجية اتسمت بشمولها المراحل الدراسية في قطاعات متنوعة، وبدعم من مؤسسات تركية مختلفة، ومن خلال اتفاقيات مع الوزارات الصومالية المعنية.

فأنشئت المدارس التي تغطي التعليم الأساسي، ومنذ عام 2012، بدأت مؤسستا "نيل" و"أناضول" التعاون مع وزارة التربية والتعليم الصومالية لإنشاء 13 مدرسة ثانوية وترميم المدارس المتضررة من الحرب الأهلية، وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة انتقلت مؤسسة "نيل" إلى إدارة وقف المعارف التركي الذي توسع في النشاط التعليمي، حتى باتت المدارس التي يديرها تضم 880 طالباً وتخرج فيها العام الماضي 104 طلاب.

كما استمرت مؤسسة الأناضول في نشاطها عبر "مركز الأناضول التعليمي" بمدارسه التي تقدم الخدمات التعليمية لمئات الطلاب، وتوفر بجانب مدارس وقف المعارف أحدث الأدوات التعليمية.

وفي بلد يعاني من الحركات الإرهابية المتطرفة، كان لوقف الديانة التركي نشاط بارز في نشر التعليم الشرعي المعتدل، عبر مجموعة من مدارس الإمام خطيب التي تقدم العلوم الشرعية بجانب المواد الدراسية المعتادة.

ومن تلك المدارس "شيخ صوفي" التي رممها الوقف وأعاد افتتاحها لتحتضن 500 طالب يقيم 270 منهم داخلياً في المراحل الأساسية والثانوية، كما ذكر بيان لوقف الديانة التركي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الوقف قدم الخدمات التعليمية لـ1110 طلاب في الصومال، عبر 4 مدارس يديرها هناك.

وقالت ليلى شريف وهي طالبة في شيخ صوفي: إن "المدرسة لا توفر التعليم فحسب، بل توفر أيضاً خدمات السلامة والصحة"، مضيفة: "مدرستنا واحدة من أفضل المدارس في الصومال، نتعلم فيها الدين والعلوم، ومادتي المفضلة هي اللغة التركية".

وفي هذا السياق، تبرز جهود الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (TIKA) التي لم تقتصر على دعم المدارس التركية، بل شمل نشاطها نظيراتها الصومالية كمدرسة "صوناد" لضعاف السمع التي رممتها وزودتها بأحدث الأجهزة التعليمية لهذه الفئة من الطلاب، كما ساهمت تيكا في دعم البنية التحتية التعليمية للمدارس من خلال المساعدات المادية وإمداد المؤسسات التعليمية باحتياجات الأثاث المدرسي ومعدات الكمبيوتر والقرطاسية.

النهوض بالتعليم العالي في الصومال

لم تكتفِ تركيا بالعمل على النهوض بقطاع التعليم الأساسي بل انتقلت إلى التعليم العالي عبر مجموعة من المؤسسات الحيوية.

ففي عام 2012، افتتحت هيئة الإغاثة الإنسانية IHH التركية مشروع مدرسة زراعية في الصومال، في إطار الأعمال الوقائية من كوارث الجفاف في القرن الإفريقي، ثم تحول المشروع بالتعاون مع (TIKA) إلى كلية الأناضول الزراعية، التي بدأت عامها الدراسي الأول عام 2014، ضمن جامعة زمزم الصومالية، وخرجت الكلية الدفعة الأولى من طلابها عام 2018.

ويتلقى الطلاب إلى جانب الدروس النظرية في الجامعة دروساً عملية عن إنتاج الخضروات في البيوت الزراعية واستعمال الأدوات والآلات الزراعية، بهدف اكتساب الخبرة والمهارات العملية.

وزرع الطلاب زراعة تجريبية لأكثر من 150 نوعاً من بذور الخضروات، وذلك في المزرعة التابعة للجامعة، ونتيجة لذلك تعرَّف المواطن الصومالي أنواعاً جديدة من الخضروات مثل الخيار والعجور وأنواع الفليفلة والروكا والبقلة والبقدونس والباذنجان وغيرها.

وشهدت العاصمة الصومالية مقديشو عام 2016، افتتاح أول معهد للعلوم الصحية من نوعه في البلاد بدعم من الحكومة التركية، وأطلق عليه اسم "معهد أردوغان المهني العالي للعلوم الصحية"، ويتسع في المرحلة الأولى منه لنحو 300 طالب وطالبة.

وتستمر الدراسة فيه سنتين تتضمنان التعليم النظري والعملي، بالإضافة إلى تسعة أشهر لتعلم اللغة التركية قبل بدء الدراسة بالمعهد، ويدرس الطلاب عدة تخصصات كالتمريض والولادة وعلوم صحية أخرى.

وقال مدير المعهد إكريم سمباز في كلمته في افتتاح المعهد، إن هذا الحدث يأتي في وقت يعاني فيه الصومال أزمة انعدام الكوادر الخدمات الصحية ذات الكفاءات العالية، ويهدف خلال السنتين القادمتين إلى تخريج كوادر أكفاء تلبي متطلبات جميع خدمات الصحية في المستشفيات.

بجانب هذا أنشأت مؤسسة (TIKA) التركية مركزاً للتدريب على الطيران المدني في مطار مقديشو عام 2017، وسلمته لوزارة النقل الصومالية.

ووضح وزير النقل الصومالي محمد عبد الله صلاد في حفل الافتتاح أن المركز سيساهم في تطوير الطيران المدني، وسيشكل خطوة أولى لعودة مؤسسة الطيران والأرصاد الجوية التي نُقلت إلى العاصمة الكينية نيروبي عقب انهيار الحكومة المركزية في الصومال.

تركيا تفتح أبوابها للطلاب الصوماليين

فتحت تركيا أبواب جامعاتها ومؤسساتها التعليمية العليا على اختلاف درجاتها أمام آلاف الطلاب الصوماليين الراغبين في التزود من العلوم والمعارف الحديثة في التخصصات المختلفة.

ووفقاً لأرقام مؤسسة التعليم العالي التركية (YÖK) و(ÖSYM) المتخصصة بإحصاءت التعليم العالي في تركيا، فقد شهد عدد الطلاب الصوماليين في تركيا تصاعداً مستمراً بثبات عبر السنوات، إذ يعد الصومال في الدول العشرين الأوائل المستفيدة من فرص التعليم الجامعي بتركيا في الأعوام الأخيرة.

وبعد أن كان عدد الطلاب الصوماليين لا يتجاوز 5 في العام الدراسي 2008-2009، وصل بعد خمس سنوات (2013-2014) إلى 683 طالباً، والمسجلون الجدد 142، وارتفع مجدداً عام 2015-2016 إلى 1383 والمسجلون الجدد 542، وفي العام الدراسي 2018-2019 بلغ عددهم 3764، منهم في العام المذكور 899 في الجامعات الخاصة التركية.

وكذلك شهد عدد طلاب الدراسات العليا ارتفاعاً مماثلاً فبلغ عام 2015-2016، 34 طالب دكتوراه و34 طالب ماجستير، كما التحق ذلك العام 15 طالب دكتوراه جديداً ومثلهم بالماجستير، في تخصصات متنوعة.

كل ما سبق هو جزء من الجهود التركية لدعم قطاع التعليم الصومالي داخل البلاد وخارجها، إذ لم تكتفِ أنقرة بتقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة ومؤقتة التأثير كما فعل كثير من الدول، بل تبنت استراتيجية تدعيم البنية التحتية للدولة الصومالية بدءاً بالاستثمار في الإنسان وتعليمه، باعتباره العنصر القادر مستقبلاً على انتشال الصومال من حطام الحرب الأهلية.

أردوغان زار الصومال عام 2011 لدعمها في مواجهة المجاعة (AP)
"تيكا" التركية تفتتح مبنى "كلية الأناضول الزراعية" في الصومال (تيكا)
TRT عربي
الأكثر تداولاً