اتخذت السعودية جملة من القرارات الاقتصادية بهدف مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد مع استمرار انتشار وباء كورونا العالمي، وانخفاض أسعار النفط.
وقررت الحكومة الاثنين، إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من يونيو/حزيران المقبل، وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءاً من يوليو/تموز المقبل.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية نقلاً وزير المالية محمد الجدعان أنه تقرر إلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية لعدد من الجهات الحكومية وخفض اعتمادات بعض المشروعات الكبرى التي كان من المقرر إنجازها خلال عام 2020.
وعزا الجدعان القرارات الجديدة لعدم استقرار أسعار النفط إثر انخفاض الطلب العالمي عليه بسبب إجراءات الإغلاق، مما أسفر عن "انخفاض كبير في إيرادات الدولة" و"توقف أو انخفاض كثير من الأنشطة الاقتصادية المحلية ما انعكس بالسلب على حجم الإيرادات غير النفطية والنمو الاقتصادي".
وأضاف الوزير السعودي أن أحد الأسباب أيضاً هو زيادة الاعتمادات المالية لقطاع الصحة لدعم القدرة الوقائية والعلاجية ضد الوباء.
في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـTRT عربي إن أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط تسبباً في زيادة نفقات السعودية بشكل كبير، ما قلّص احتياطي المملكة من النقد الأجنبي بنحو 47 مليار دولار.
ويضيف أن هذا يعني نمواً سلبياً لسنة 2020 بنسبة -3% تقريباً وارتفاع الدين العام بنحو 30%.
أوضاع اقتصادية صعبة
ويرى محللون أن المملكة العربية السعودية تواجه اليوم أزمات اقتصادية لن تنتهي قريباً، متهمين ولي العهد محمد بن سلمان بأنه تسبب في فساد عديد المشاريع وفشل أخرى على حساب أموال السعوديين وعلاقة المملكة في إقليمها الحيوي الذي تخسره تدريجياً، بسبب قرارات ارتجالية، وإحراجها المتكرر من طرف حليفتها الولايات المتحدة التي تواصل مطالبتها بالمال مقابل الحماية.
ويصف مارديني قرارات وزير المالية السعودي الأخيرة بالصعبة والصارمة، معتبراً الخطوة صحيحة، لا سيما وأن المملكة بلد غني وتملك احتياطيات نقدية أجنبية مرتفعة تُقدّر بـ473 مليار دولار، كما أن نسبة الدين العام تعتبر متدينة .
ويضيف الخبير مارديني أن السعودية يجب عليها نقل هذه النفقات من الخزينة نحو القطاع الخاص.
سحب بطاريات "باتريوت"
وكانت وكالة رويترز قد نشرت في بداية مايو/أيار الجاري، تقريراً يفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هدد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بسحب القوات الأمريكية من السعودية إن لم تتوقف الأخيرة عن إغراق أسواق النفط.
والخميس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة في خطوة مفاجئة، سحب أنظمة "باتريوت" الدفاعية من السعودية، كما تدرس واشنطن تقليص قدراتها العسكرية في المملكة، حسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
ورجّحت وكالة أسوشييتد برس أن ما قامت به واشنطن ربما سببه النزاع النفطي المستمر أو الخلاف على نسخة أخرى من "الباتريوت" ترغب الرياض في شرائها.
ترمب يعتمد على التعويض السهل والسريع، وهو الآن يسعى إلى تطبيق هذه النظرية من خلال الضغط على السعودية، والدول الخليجية عموماً، من ناحية الأمن القومي الذي تشكِّل إيران تهديداً مباشراً عليه
المال مقابل الحماية
يتعمد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في كل مناسبة يتحدث فيها عن السعودية، تأكيد أن السعودية خاصة ودول الخليج عامة، يجب عليها دفع الأموال مقابل حمايتها من نيران إيران والحوثيين.
ولا يبدو أن الرئيس الأمريكي كان يمزح عندما صرّح خلال حملته الانتخابية 2016، بأن "دول الخليج لا تملك سوى المال. سأجعلهم يدفعون، نحن مدينون بـ19 تريليون دولار. لن ندفعها نحن، هم سيدفعون".
تعليقاً على ذلك، يقول الصحفي المختص في الشأن الأمريكي محمد العالم لـTRT عربي أن تصريحات ترمب ليست جديدة، وتوجهاته في هذا الخصوص معتادة، مضيفاً أن "هذه التصريحات كانت جزءاً من برنامجه الانتخابي الذي اعتمد عليه لجذب الناخب الأمريكي قبل 3 سنوات ونصف".
ويرى علام أن "ترمب يعتمد على التعويض السهل والسريع، وهو الآن يسعى إلى تطبيق هذه النظرية من خلال الضغط على السعودية، والدول الخليجية عموماً، من ناحية الأمن القومي الذي تشكِّل إيران تهديداً مباشراً عليه".
ويشير الصحفي المقيم بولاية نيويورك الأمريكية إلى أن" ترمب بذلك، يستطيع الحصول علي أموال سريعة تنعش الاقتصاد الأمريكي الذي أفقدته أزمة كورونا كثيراً من قوته، كما تعطي آمالاً جديدة له في الفوز بفترة رئاسية ثانية" .
ويتابع العالم[علا: "كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى خطر التمدد الصيني في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي باهتمام بالغ. وقد ظهر هذا في تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية الموجهة إلى الخليج بضرورة وضع الولايات المتحدة في الحسبان عند التعامل مع الصين. وهو ما يعبر عن قلق واشنطن أمام محاولات بكين الوصول إلى بوابة الشرق الأوسط".
السياسة المتهورة لولي العهد في المنطقة
تجلت معالم السياسة المتهورة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فتح جبهات حربية جديد كانت المملكة في غنى عنها، وفقاً لمحللين.
في هذا الصدد، يؤكد الكاتب السعودي فهد الغفيلي في كتاباته عبر وسائل إعلام مختلفة، أن السياسة الخارجية للسعودية كانت تتسم بالاعتماد شبه الكلي على "القوة الناعمة" المرتبطة بشكل كبير باستخدام المال السياسي لشراء الحلفاء والتأثير على الدول والجماعات، إلا أن "هذه السياسة دخلت مؤخراً مرحلة الموت السريري مع اعتلاء سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، لتموت بعدها تلك السياسة تماماً مع تولي ابنه محمد ولاية العهد، وتسلمه من والده، بشكل غير رسمي حتى اللحظة، مقاليد السلطة وزمام الحكم الفعلي في السعودية".
ويرى الغفيلي أن "الخط السياسي للدولة اختلف كلياً في عهد الأمير الطموح، إذ بدأت السياسة الخارجية السعودية تتخذ منحى يعتمد على القوة العسكرية".
في هذا الصدد، يشير محللون آخرون إلى الخطوات التي اتخذتها المملكة في حرب اليمن ثم فرض حصار قطر والسير في خطٍ أُفقي نحو كسب الأعداء واختلاق المشكلات مع الدول الصديقة، إذ قطعت السعودية علاقاتها مع قطر وكندا وتدهورت أواصر الروابط مع المغرب وأصبحت العلاقة مع تركيا مبنية على أساس الحذر والحسابات.
وتعد حرب اليمن حسب مراقبين، أهم تعبير عن فشل سياسة السعودية الخارجية، فوفقاً لتقرير نشرته "فورين بوليسي"، في ديسمبر/كانون الأول 2016، كلّفت الحرب في اليمن السعودية 5.3 مليارات دولار من ميزانية الدفاع لعام 2015.
تبعية الأمير السعودي للبيت الأبيض جعلته تحت رحمة أساليب الإدارة الأمريكية القاسية
هل ينتهي مشوار بن سلمان مع البيت الأبيض؟
نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية في 4 مايو/أيار الجاري، تقريراً بعنوان "كيف وصل بن سلمان إلى طريق مسدود في واشنطن"، أشارت فيه إلى أن الرئيس الأمريكي تحدّث في أحد اللقاءات بلهجة حادة أدهشت بن سلمان لدرجة أنه طلب من مساعديه مغادرة الغرفة.
واعتبر التقرير أن "تبعية الأمير السعودي للبيت الأبيض جعلته تحت رحمة أساليب الإدارة الأمريكية القاسية"، وبذلك عليه أن يتحمل تبعات كل ما تقرره واشنطن، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن علاقة الأمير السعودي بواشنطن وبعض مستشاري ترمب هي التي مكنته من حصانة ربما مؤقتة.
في هذا الصدد، يؤكد الصحفي المصري محمد العالم أن تصريحات البيت الأبيض حول بن سلمان ودوره "الإصلاحي" في السعودية لا يلقي قبولاً داخلياً أمريكياً، فبالنسبة للحزب الديمقراطي وبعض القوي المستقلة التي تري أن ترمب يسعى إلى تأمين مصالحه الانتخابية على حساب الخليج، فإن هذه المقاربة قد تتسبب في أخطاء كارثية تؤثر على المصالح الأمريكية.