بعد مرور عام على الإطاحة بعمر البشير ما زال السودان يعاني جراء أزمات كثير أهمها اقتصادية (AP)
تابعنا

أطيح بنظام الرئيس السابق عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم، إثر احتجاجات شعبية حاشدة دامت نحو أربعة أشهر، الأمر الذي بعث الأمل في بداية حكم ديمقراطي في السودان، إلا أن تحديات عديدة ما زالت تهدّد الحكومة الانتقالية، فبعد عام من سقوط البشير، ما زال السودان غارقاً في أزماته الاقتصادية.

وأعاقت حالة الانفراد بالحكم الثورة عن تحقيق أهدافها، إذ قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي إدريس سليمان لـTRT عربي، إن "القوى السياسية عملت على تفريق الشعب وزيادة الاستقطابات في الساحة".

وأضاف: "كان يُنتظر من حكومة الثورة أن توقف التدهور على الأقلّ وتحسّن الاقتصاد ومعيشة الناس، لكن ما يحدث الآن هو مزيد من التدهور".

ويعزو التحالف الحاكم عدم القدرة على تحقيق مطالب التغيير بالتركة الثقيلة للنظام السابق، وهو ما أكّدَه نور الدين بابكر، القيادي في قوى الحرية والتغيير، لـTRT عربي، "فحكومة الثورة لم تبدأ من نقطة الصفر في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي، بل بدأت من نقطة بعيدة جدّاً قبل الصفر"، على حدّ تعبيره.

وتابع: "توجد إشكالات على مستوى تركيبة مؤسسات الحكومة، ونمضي الآن في إصلاحها، وقضايا ورثناها من النظام السابق في العلاقة مع الدول الأخرى".

وبعد عام من الإطاحة بنظام البشير، تواصل تيارات سياسية انتقادها للبطء في تحقيق متطلبات التغيير الذي تقول إنه شكّل مصدر قلق للسودانيين بسبب سيطرة أذرع الدولة العميقة على الخدمات المدنية للدولة.

وفي هذا الشأن أشار الخبير القانوني السوداني عادل عبد الغني لـTRT عربي، إلى "عديد من الإخفاقات التي تتسبب فيها الدولة العميقة، من بينها إثارة الهلع وعدم إثارة الطمأنينة وعدم ضبط حركة السلع والبضائع والأسواق وعدم توفير المعلومات وعدم مراقبة الحدود في تهريب السلع من الداخل".

اقتصاد متدهور

وعلى الرغم من أن تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة كان من المطالب الأساسية للثورة في السودان، والسبب الأساسي في اندلاع المظاهرات ضدّ نظام البشير، فإن معاناة الاقتصاد السوداني مستمرة، إذ أعلنت السلطات السودانية الأربعاء زيادة طفيفة على أسعار الخبز في العاصمة الخرطوم، من جنيه واحد لقطعة الخبز (0,018 دولار) إلى جنيهين.

ويشكو السكان انقطاع الكهرباء كثيراً، وغالبيتهم لا يزالون ينتظرون في طوابير لساعات كي يتمكنوا من تزويد سياراتهم بالوقود والحصول على الخبز، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

التحدي الرئيسي الذي يواجه الفترة الانتقالية هو مجموعة العوامل المتشابكة نفسها التي تسببت في سقوط حكم البشير

معهد ريفت فالي للأبحاث في ألمانيا - مجدي الجزولي

ويعاني السودان كغيره من الدول العربية قلقاً كبيراً من تفشي فيروس كورونا، إلا أن معضلة الارتفاع الحادّ في أسعار السلع الأساسية باتت تشكّل عبئاً جديداً على السودانيين.

وتعرَّض الاقتصاد السوداني لخسائر كبيرة بسبب العقوبات المفروضة عليه سابقاً، وستكون تأثيرات أزمة الفيروس عليه كبيرة، وهو ما يُجمِع عليه الخبراء الاقتصاديون، إذ إنها ستعرقل مساعي الحكومة الانتقالية لإحداث انتعاش اقتصادي بعد الوعود الأمريكية برفع العقوبات عن الخرطوم.

في 2017، أعلنت الولايات المتحدة إنهاء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على السودان لمدة 20 عاماً، ولكنها أبقته على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، مما يحرم البلاد من الاستثمارات الخارجية.

وأشار الصحفي السوداني أحمد عبد الغني في حديث سابق لـTRT عربي، إلى أن "الفيروس أثّر بشدة على الاقتصاد السوداني الذي أصبح يعاني أكثر مما كان، وسيحتاج إلى فترة طويلة جدّاً للتعافي من هذه التأثيرات".

ويعلّل المسؤولين في حكومة التكنوقراط التي تشكلت في أغسطس/آب في إطار اتفاق لتقاسم السلطة بين العسكريين وقادة المظاهرات الشعبية، استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، بالمشكلات الموروثة من عهد البشير، كارتفاع التضخُّم والديون الحكومية الكبيرة والجهود اللازمة للتوصل إلى سلام مع حركات المعارضة المسلحة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وتلقى الاقتصاد السوداني ضربة كبيرة عام 2011 عندما استقلّ جنوب السودان عنه، ومعه حقول النفط التي تقع داخل أراضيه، وكانت تشكل 7% من إنتاج النفط السوداني.

ويتطلب "تعافي الاقتصاد في السودان مسيرة طويلة من الدعم المستمرّ والمنسَّق والمدروس من المانحين التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة وكذلك دول الخليج"، حسب تصريحات جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية.

الدعم الخارجي التقني والمالي مطلوب على المدى الطويل لإخراج السودان من المستنقع الاقتصادي

مجموعة الأزمات الدولية - جوناس هورنر

وفي قرارات وصفتها بالمهمة، اتفقت قيادة السلطة الانتقالية بالسودان السبت، على تشكيل لجنة طوارئ اقتصادية لمواجهة تردِّي الأحوال المعيشية، للإسراع باستكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، وتكوين لجنة طوارئ اقتصادية "للتعامل مع الأزمة المعيشية ومواجهة فلول النظام البائد، والتعامل الحازم لإنفاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة وباء كورونا".

عنف مستمر

ولم تخلُ الأشهر الأخيرة من أحداث عنف، ففي يناير/كانون الثاني قُتل خمسة أشخاص من بينهم جنديان عندما أجهضت القوات السودانية تمرُّداً نفّذه أنصار البشير في جهاز الأمن، فيما كانوا يحتجّون على خطة إحالة إلى التقاعد.

وفي مارس/آذار خرج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك سالماً من محاولة لاغتياله بعد أن تَعرَّض موكبه لاعتداء بقنبلة وإطلاق النار.

وأجبرت "أعمال عنف بين مجموعتين في دارفور آلافاً على الفرار من منازلهم"، حسب تقرير لهيومان رايتس ووتش الشهر الماضي.

وأطاح الجيش السوداني في 11 أبريل/نيسان 2019 بعمر البشير (76 عاماً)، بعد ثلاثة عقود من حكمه، مستجيباً لمطالب السودانيين الغاضبين الذين نزلوا إلى الشوارع واعتصموا أمام مقر قيادة الجيش مطالبين برحيله، ليُوقف بعد ذلك، ويودَع سجن كوبر في الخرطوم.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، صدر حكم بحبسه عامين بعد إدانته بالفساد.

ومنذ أغسطس/آب الماضي يتولى مجلس سيادي انتقالي يضمّ عسكريين ومدنيين مقاليد الحكم في البلاد.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً