الحلُّ الروسيّ في سوريا إلى فشل.. فما البديل المُنتظر؟
يبدو أن روسيا، لا تزال بعيدة نسبياً، عن الاقتراب مِن الحلّ السياسي في سوريا، وفق القرار الدولي 2254، الصّادر عن مجلس الأمن، بتاريخ الثّامن عشر من كانون الأول عام 2015.
جانب من القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية (AFP)

الروس بعيدون عن هذه الطريق الدولية في حلّ الصّراع السوري، والسبب في ذلك، أنهم يريدون تنفيذ خطتهم السياسية في سوريا. هذه الخطة، تتبنى إعادة تأهيل نظام بشّار الأسد، رغم كل جرائمه بحق السوريين، مع استعدادٍ تزييني خادعٍ لشكل النظام.

الخطة الروسية، التي تخيّل الروسُ أنها ستمرّ على المجموعة الأوروبية، وقد يقبل بها الأمريكيون مع بعض التعديلات، لم تكن خطةً تضمن الطمأنينة للغرب، لا سيّما وأن الرّوس، اندفعوا للاستثمار في الملف السوري، اعتقاداً منهم أنهم سينجزون أهداف تدخلهم بسرعةٍ زمنيّةٍ محسوبة.

خطة الحلّ الروسي، لم تقدّم ضمانةً أكيدةً للمجموعة الغربية أو للأمم المتحدة، بما يخصّ وضع اللاجئين السوريين، في دول الجوار أو في أوروبا، ولهذا بقي هذا الملف قيد الشكّ.

الأمر ذاته، يتعلق بقضية المعتقلين في سجون نظام الأسد. الروس لا يستطيعون تقديم ضمانات أكيدة، بما يتعلق بهذا الملف، لا سيّما وأن النّظام السوري، يتستّر على حقيقة وضع المعتقلين، الذين قُتلوا تحت التعذيب دون محاكمات قانونية.

يريد الروس تمرير خطتهم السياسيّة في الحل، وفق حساباتهم الخاصة، التي ترتكز على مخاوف أوروبية حيال الإرهاب، وعلى غياب أمريكي مؤقت، وهم يستعجلون هذا الحل، بغية استعادة قيمة استثمارهم العسكري والسياسي في الصراع السوري، عبر إعادة الإعمار، التي تخيلوا أنها ستكون بنسبة كبيرة، من نصيب شركاتهم وشركات إيران والصين.

غاب عن الروس أنّ المطلوب في المجموعة الأوروبية، للوصول إلى استقرار مستدام في سوريا، هو حلٌ سياسيٌ ملموس، يُخرجُ هذا البلد من الشّروط السياسية والقانونية والاقتصادية، التي فرضها عليه نظام الأسد، هذه الشروط، ترى المجموعة الأوروبية، أنها تتوفر من خلال تنفيذ حقيقي للقرار الدولي رقم 2254، الذي يسمح بانتقالٍ سياسي جدّي.

وغاب عن الروس، أن الأمريكيين مدركون أن التمسك الروسي بالحلقة السورية من خلال بقاء الأسد في قيادة سلطتها، له أهداف متوسطة وبعيدة استراتيجياً، ومن هذه الأهداف الروسية، عودتهم إلى المنطقة من خلال استغلال دورهم في الصراع السوري، وملاقاة التمدد الصيني العالمي، بصورتيه الاقتصادية والسياسية في المرحلة الأولى. الذي يعرفه الروس، أنّ الأمريكيين يعدّون لمواجهته، وأن ساحة الشرق الأوسط، ستكون إحدى حلقات هذه المواجهة.

التمدد الصيني، ليس مؤهلاً في هذه المرحلة، لخلق مواجهات سياسيّة أو اقتصادية مع الغرب، فشروط التمدد لم تتوفر بصورة تسمح بحصول هذه المواجهة مع الغرب.

لهذا لم يتقدم الروس، نحو التوافق مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، على تنفيذ القرار 2254، لقناعتهم بأنّ هذا التوافق، لن يؤمّن لهم ما خططوا للحصول عليه، من استثمارهم العسكري والسياسي في سوريا، وبالتالي يلجؤون إلى المناورة من أجل تمرير حلّهم، عبر تنازلات شكلية، تخصّ أموراً شكلية في النظام، دون مسِّ جوهره السياسي العميق.

الروس وفق هذه المعادلات، لم يستفيدوا من فترة الغياب الأمريكي بين رحيل ترمب وقدوم بايدن. بمعنى آخر، أرادوا إحداث خرق سياسي لمصلحة النظام السوري، ولمصلحة خطتهم، من خلال دعوتهم لعقد مؤتمرٍ حول عودة اللاجئين السوريين، وتوقعوا أن تقبل أوروبا بهذه الخطوة، مما سيوفر المال اللازم لإعادة إعمار سوريا، ويوفر لهم تحقيق عائدات استثمارهم في الصراع السوري.

الخطأ في الحسابات الروسية لا يزال مستمراً، فعدم استجابة المجموعة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لمناورات روسيا بتمرير حلّها السياسي، دفعها إلى المناورة بورقة أخيرة للضغط على العالم. هذه الورقة، هي إجراء النظام السوري مسرحية هزليّة اسمها "الانتخابات الرئاسية"، فالروس يعتقدون أن إجراء هكذا انتخابات، في ظل تعطيل مفاوضات جنيف الخاصة باللجنة الدستورية، أو بغيرها من خلال الحل السياسي، إنما يساعد على قبولٍ غربي ببقاء رأس النظام في موقعه.

الروس بهذه الحسابات السياسية، التي هي أقرب إلى المراهنة، يتصرفون بنزقٍ سياسيّ بعيدٍ عن تحليل الواقع، وهذا يكشف استعجالهم لتمرير خطتهم، والتي على ما يبدو، يعتبرها الغرب الشًّرك الذي أوقع الروس فيه أنفسهم، نتيجة حسابات (بوتين–لافروف) الخاطئة، المبنية على ذهنية المغامرة. هذه الذهنية أقرب لحسابات المافيات منها لحساب الحكومات.

لم يتخيل الروس أن قانون قيصر، وقانون تعزيزه الآخر المدرج على جدول الكونغرس الأمريكي، سيجعل الأوضاع الاقتصادية للنظام وشركائه في وضعٍ غير محسوب، فهذا القانون سيُلحِق العقوبات بكلّ دولة أو شركة أو فرد يقدّم خدمات اقتصادية للنظام جدولها القانون نفسه.

مرور الزمن في معادلة الصراع السوري، وتحديداً بقاء الأمور على حالها في عموم مناطق سوريا، يعني ببساطة أن استنزافاً حقيقياً ضد الروس والإيرانيين سيستمر، وأن وضع سوريا بصورته الحالية، لن يحقق المكافئ الاقتصادي والسياسي، الذي يأمله الطرفان المتورطان في الصراع.

أما التمدد الصيني اقتصادياً وسياسياً، فلا يزال أمامه سنوات قادمة من المراكمة الاقتصادية والسياسية، لخلق توازنٍ فاعل بينهم وبين الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التمدد لا يمكن حساب قيمه الفاعلة في معادلة الصراع السورية بوضعها الحالي، ولا يمكن للروس تحمّل استنزاف طويل الزمن في ساحة الصراع السورية، فمثل هذا التحمل يحتاج إلى شروط اقتصادية وسياسية وعسكرية، لا تستطيع روسيا توفيرها.

الاقتصاد الروسي المبني على اقتصاد الريع بالدرجة الأولى (تصدير المواد الخام من نفط وغاز وغيرها) لا يستطيع مجابهة أزمات خانقة، كالتي حدثت في العام الفائت 2020، ففي هذا العام هبطت أسعار النفط والغاز بسبب جائحة كورونا، مما ألحق الأذى بواقع الحياة المعيشية للشعب الروسي، الذي هبطت فئات واسعة منه إلى ما دون خط الفقر.

إذا أضفنا العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة تدخلها في أوكرانيا، واقتطاعها شبه جزيرة القرم، فإن مراهنات الثنائي بوتي-لافروف لن تساعد الروس على المناورة طويلاً في ورقة الصراع السوري.

إنّ اتّجاهات السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن توحي بصراع بينهم وبين الروس، وقد ظهر هذا مِن خلال تصريحات مسؤولين أمريكيين كثيرين مِن الإدارة الجديدة، حيث وصل الأمر أن يُطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن على نظيره الروسي فلاديمير بوتين صفة (قاتل).

فعَلامَ سيراهن الروس، وقد ثبت لديهم فشل خطتهم السياسية، المبنية على ذهنية المغامرة؟ هل ما زالوا يعتقدون أن الزمن حليفهم في معادلة الصراع السوري؟ إنه وهم الحسابات التي تتبعها أنظمة استبدادية تراهن على الغيب.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.


TRT عربي