آراء
سياسة
5 دقيقة قراءة
الخريطة البلدية الجديدة في لبنان.. تجديد الثقة بالتقليديين وتعثُّر بدائلهم
سجّلت حكومة العهد الأولى في لبنان برئاسة القاضي نوّاف سلام، أوّل إنجاز لها في زحمة التحدّيات الكثيرة التي يواجهها لبنان، وأجرت الانتخابات البلدية والاختيارية في جو من الأمان والحريّة النسبية، ونسبة ضئيلة من التجاوزات والإشكالات.
الخريطة البلدية الجديدة في لبنان.. تجديد الثقة بالتقليديين وتعثُّر بدائلهم
شهدت الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان تراجعاً لافتاً في نسب المشاركة مقارنة بعام 2016، باستثناء بيروت التي سجلت ارتفاعاً طفيفاً. / AFP
28 مايو 2025

 وكانت الحكومة الفائز الأول في هذا الاستحقاق الدستوري، من دون أن يعني ذلك أنّها خلّصت اللبنانيين من التحدّيات الأخرى التي تتمثّل في الأزمة الاقتصادية والمعيشية من ناحية، وردّ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ومواطنيه من ناحية ثانية، وفرض سيادة الدولة والقانون على كلّ الأراضي اللبنانية من ناحية ثالثة.

غير أنّها تمكّنت من تسجيل هذا الإنجاز بلا اعتراضات ولا مشكلات كبيرة ولا تجاوزات تقدح في نزاهة العملية الانتخابية أو تشكّك في صحّتها وصحّة نتائجها، وهو بدوره ما يفتح باب الأمل أمام اللبنانيين بأنّ الخلاص من كلّ التحدّيات ممكن إذا ما خلُصت النيات وتضافرت الجهود والمساعي.

على مدار أربعة أسابيع من شهر مايو/أيّار جرت الانتخابات البلدية والاختيارية في المحافظات اللبنانية الثماني في أربع محطات، شملت المحطة الأولى محافظة جبل لبنان، ثم محافظتي لبنان الشمالي وعكار، ثمّ محافظات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، ثمّ محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، تنافست فيها للفوز بالمجالس البلدية والاختيارية القوى السياسية التقليدية على تنوّعها واختلافاتها والعائلات والقوى والجمعيات والشخصيات التي قدّمت نفسها على أنّها قوى تغييرية، وقوى مستقلَّة.

بعض هؤلاء المتنافسين تَقدّم من الرأي العامّ اللبناني المحلي ببرامج إنمائية وخدمية، وبعضها قطع الوعود للعمل من أجل تحسين ظروف البلدات والمدن في ظلّ نظام إداري مركزي لا يتيح للمجالس البلدية المحلية العمل بحريّة بلا موافقات من المراجع الإدارية المختصة وصاحبة الوصاية على المجالس المنتخبة، وبعضها لجأ إلى الإثارة واعتماد خطاب يستثير الغرائز من أجل استنهاض الناخبين ودفعهم إلى المشاركة والتصويت باتجاهات تخدم مصالحه الخاصة، والبعض اعتمد على التحريض والتخويف لمنع الأصوات عن منافسيه ولإقصائهم.

وشهدت الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان تراجعاً لافتاً في نسب المشاركة مقارنة بعام 2016، باستثناء بيروت التي سجلت ارتفاعاً طفيفاً.

وانخفضت المشاركة في البقاع وبعلبك-الهرمل، والشمال وعكار، والجنوب والنبطية، وجبل لبنان، بنسب تراوحت بين 3% و12%. يُعزى هذا الفتور الانتخابي إلى اشتداد الأزمة الاقتصادية، وتراجع التمويل الانتخابي، وغياب الثقة بإمكان التغيير، ما انعكس بوضوح على مزاج الناخبين وحماستهم.

القوى التقليدية في المقدمة

أظهرت نتائج الانتخابات قدرة القوى السياسية التقليدية على الحفاظ على دورها وحضورها وتأثيرها في المشهد البلدي المحلي، وفي الحياة السياسية، وفشل ما عُرف بقوى التغيير بإحداث نقلة نوعية على مستوى البلديات.

ولعلّ أبرز المعارك الانتخابية جرت في العاصمة بيروت حيث اصطفّت القوى الحزبية والسياسية التقليدية المتناقضة على تنوّعها واختلافها في لائحة واحدة بهدف تأمين المناصفة في المقاعد البلدية بين المسلمين والمسيحيين، مع العلم أنّ أكثرية الناخبين في بيروت هم من المسلمين، فضلاً عن أنّ لكلّ قوّة سياسية منها كانت حسابات خاصة بها وبمصالحها، في مواجهة لائحة أخرى عبّرت عن مزاج العائلات البيروتية الأساسية وكانت مدعومة من القوى الإسلامية ومن مناصري تيّار المستقبل الذي كان يتزعمه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ولائحة ثالثة لقوى التغيير.

وفازت لائحة الأحزاب والقوى التقليدية على حساب اللائحتين الأخريين مع تسجيل خرق واحد لصالح مرشح على لائحة العائلات الأساسية.

وأظهرت نتيجة بيروت أنّ القوى السياسية الحزبية والزعامات التقليدية حافظت على دورها وحضورها بعدما تجمّعت في لائحة واحدة، في حين أظهرت النتيجة أنّ مزاج الناخب البيروتي المسلم تحديداً مع لائحة العائلات المدعومة من الإسلاميين ومناصري المستقبل.

في مدينة طرابلس حصل شيء قريب مما حصل في بيروت، غير أنّ فارق النتيجة كان مختلفاً قليلاً، فقد اجتمعت الشخصيات التقليدية والقوى السياسية في المدينة في لائحة واحدة في مقابل لائحتين ضمّت كلّ منهما مجموعة من المرشحين المستقلين أو الناشطين في المجتمع الأهلي، وفيما فازت اللائحة المدعومة من القوى والشخصيات التقليدية بـ13 عضواً من أعضاء البلدية الأربع والعشرين، سجّلت اللائحتان الأخريان خرقاً كبيراً وصل إلى فوز إحداها بـ8 مقاعد والأخرى بمقعد واحد.

 في المدن ذات الغالبية الشيعية كالنبطية وصور وبعلبك تَمكَّن الثنائي الشيعي (حزب الله-أمل) من حسم المعركة الانتخابية لصالحه، والفوز في بلديات هذه المدن ضمن تحالف جمع الحزبين معاً.

كما تمكّن هذا الثنائي من تأمين الفوز بالتزكية في كثير من البلديات الشيعية في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك-الهرمل والبقاع، وبالتالي كرّس حضوره ودوره البلدي والسياسي وأعطى انطباعاً أنّه ما زال يمسك بالقرار الشيعي في لبنان على الرغم من الخسائر التي مُني بها خلال فترة الحرب التي تعرّض لها لبنان.

على مستوى القوى المسيحية، عزّزت نتائج الانتخابات البلدية دور وحضور حزب "القوات اللبنانية" التي فازت في أهم بلدية مسيحية في لبنان، بلدية مدينة زحلة التي تسمّى "عاصمة الكثلكة"، فضلاً عن كثير من بلديات البلدات المسيحية الأخرى، فيما سجّل منافس "القوات" حزب "التيار الوطني الحر" فوزاً بالشراكة مع الثنائي الشيعي (حزب الله-أمل) في بلدية مدينة جزّين في لبنان الجنوبي، فيما غابت قوى التغيير عن تسجيل أيّ فوز في أيّ بلدية.

 ختاماً، أظهرت الانتخابات اللبنانية المحلية أنّ القوى السياسية التقليدية ما تزال تحافظ على دورها وحضورها وتأثيرها في المشهد اللبناني، وما تزال ترسم سياسته، وأنّ النتائج كرّست هذا الدور.

وفي حين حقّقَت قوى التغيير تقدّماً ونتيجة جيّدة في انتخابات عام 2022 النيابية، تراجعت كثيراً ولم تفُز بأيّ بلدية أو حتى مقاعد بلدية في المدن الرئيسية ولا في الأرياف. 

بالإضافة إلى ذلك ظهر أن الفراغ الذي تركه انسحاب تيار المستقبل من الحياة السياسية في عام 2022 لم يتمكّن أي تيار أو قوّة سياسية أخرى من ملئه بالكامل، بخاصة في البيئة السُّنِّية، مع تسجيل تراجع ملحوظ وكبير لتيار المستقبل في هذه البيئة.

أمَّا التيار الإسلامي فتَمكَّن من تسجيل فوز في عدد من البلدات الكبيرة كما في إقليم الخروب في محافظة جبل لبنان، وبلدات أخرى في البقاع والجنوب والشمال، غير أنّه لم يتمكّن من ملء الفراغ الذّي خلّفه تيار المستقبل في البيئة السُنّية.

 جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كتّابها، ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
الأمم المتحدة: تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الفاشر
واشنطن وطوكيو تشددان على عمق التحالف وتتفقان على مواجهة هيمنة الصين على المعادن الحيوية
الحسن وتارا رئيساً لساحل العاج لولاية رابعة بغالبية ساحقة
البرهان: القيادة انسحبت من الفاشر لتفادي "قتل ممنهج" للمدنيين وتدمير المدينة
مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة جنوبي لبنان
"القسام" تسلم جثة أسير إسرائيلي جديد.. والفرقة 99 بجيش الاحتلال تنسحب من قطاع غزة
وزير الدفاع التركي: نخطط لشراء 44 مقاتلة "يوروفايتر" من 3 دول
أردوغان يؤكد أن اتفاقية "يوروفايتر" مع بريطانيا تعزز العلاقات.. وستارمر: ترفع مستوى التعاون الدفاعي
بكين تطالب واشنطن بحل الخلافات عبر الحوار.. وتدعو إلى "الانتهاء" من الحروب التجارية
قوات الدعم السريع تواصل مهاجمة شمال كردفان وتصعّد انتهاكاتها وسط مطالبات بتدخل دولي
عائلات أسرى إسرائيليين تطالب بتعليق تطبيق خطة غزة.. وإعلام عبري: أماكن جثامين 4 محتجزين غير معروفة
من داخل مركز مراقبة دولي بمنطقة صناعية.. واشنطن ترسم ملامح ما بعد الحرب في غزة
"فخر الصناعات الدفاعية".. شركة MKE تسلّم ذخيرة من الجيل الجديد للجيش التركي
تلبية لدعوة الرئيس أردوغان.. وزير الدفاع التركي يستقبل ستارمر في أنقرة
بوساطة تركية-قطرية.. كابل وإسلام آباد تتفقان على تمديد وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى في إسطنبول
الاحتلال يصيب طفلاً في الخليل ويعتقل 21 فلسطينياً بينهم قيادي في "حماس" بالضفة