ويعمل مركز التنسيق المدني–العسكري (CMCC) من داخل منطقة صناعية في كريات غات شمال شرقي قطاع غزة، في مبنى يطل على مصانع للأخشاب والحديد، ويضم في الوقت ذاته ضباطاً من إسرائيل وبريطانيا وكندا.
وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية هذا الأسبوع أن نحو 200 جندي أمريكي متخصصين في مجالات النقل والتخطيط والأمن والهندسة باشروا عملهم في مراقبة الهدنة وتنظيم تدفق المساعدات الإنسانية والأمنية إلى غزة.
والجمعة الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو المركز، ليكون رابع مسؤول أمريكي رفيع يزور الموقع بعد نائب الرئيس جي دي فانس، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس ترمب جاريد كوشنر، الذين أجروا خلال الأيام الماضية مباحثات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
ويقع المركز داخل قاعة عمليات واسعة تتصدرها شاشة ضخمة تُظهِر خريطة لقطاع غزة، وأخرى تعرض جدول الاجتماعات اليومية، فيما تنتشر طاولات العمل المزودة بأجهزة حاسوب متطورة يتابع من خلالها الضباط والجنود سير تنفيذ بنود الاتفاق الميداني.
ويعمل إلى جانب الضباط الأمريكيين ممثلون من الدول المشاركة في المركز، من بينهم ضباط من كندا وأستراليا وفرنسا واليونان، إضافة إلى ضباط إسرائيليين.
ويقول مسؤولون في المركز –رفضوا الكشف عن أسمائهم– إنّ المهمة الأساسية للمركز هي متابعة تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ذات البنود العشرين ومراقبة التزام وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع.
وأوضحوا أن عمليات المراقبة تحدث باستخدام المصادر المفتوحة، بما في ذلك وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما يُمنع دخول المبنى إلا لحاملي تصاريح أمنية خاصة.
وفي أحد أركان القاعة، وُضعت نسخة مطبوعة من خطة ترمب على لوحات كبيرة إلى جانب العلم الأمريكي، فيما ينتشر عدد من الجنود الأمريكيين غير المسلحين يؤدون مهام متابعة وإشراف على تنفيذ الاتفاق ميدانياً.
إدارة أمريكية
قال الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، في بيان الأربعاء الماضي، إنّ نحو 200 عنصر من القوات الأمريكية من ذوي الخبرة في النقل والتخطيط والأمن واللوجستيات والهندسة أنشؤوا مركز التنسيق المدني–العسكري في كريات غات بجنوب إسرائيل، موضحاً أن المركز سيمثل "البنية التحتية الحيوية لتمكين الانتقال إلى الحكم المدني في غزة".
وأضاف البيان أن المركز لن ينشر قوات أمريكية داخل قطاع غزة، بل سيعمل على تنظيم تدفق المساعدات الإنسانية واللوجستية والأمنية من الشركاء الدوليين إلى القطاع، إضافة إلى مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار من خلال قاعة عمليات متطورة.
وأوضح كوبر أن الأسابيع المقبلة ستشهد إدماج ممثلين من الدول الشريكة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص ضمن آلية عمل موحّدة في المركز، بهدف تحقيق انتقال سلمي ومستقر نحو إدارة مدنية فاعلة في غزة.
ويُعَدّ مركز التنسيق المدني–العسكري (CMCC)، الذي افتُتح رسمياً في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أول منصة عملياتية دولية تنشئها القيادة المركزية الأمريكية في إسرائيل لمتابعة التطورات في غزة عقب اتفاق وقف إطلاق النار.
ويمثل إسرائيل في المركز الجنرال ياكي دولف، فيما يتولّى إدارته ثنائي مدني وعسكري، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت الجمعة عن تعيين الدبلوماسي المخضرم والسفير الحالي لدى اليمن، ستيفن فايغن، قائداً مدنياً للمركز المكلّف تنفيذ اتفاق السلام في غزة وتنسيق إدخال المساعدات الإنسانية إليها.
وجاء في بيان الوزارة: "سيشغل السفير ستيفن فايغن منصب القائد المدني لمركز التنسيق المدني–العسكري، الذي يتولى دعم تنفيذ خطة الرئيس ذات النقاط العشرين لتحقيق السلام في غزة".
وسبق أن أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عن تعيين الفريق باتريك فرانك، قائد القوات البرية الأمريكية في الشرق الأوسط، قائداً عسكرياً للمركز، مع نشر 200 جندي وضابط أمريكي للعمل فيه.
ويُذكر أن فايغن يشغل منصب السفير الأمريكي لدى اليمن منذ عام 2022، لكنه يمارس مهامه من خارج البلاد بسبب سيطرة جماعة الحوثيين –غير المعترف بها من قبل واشنطن– على معظم الأراضي اليمنية.
تحفظ إسرائيلي
رغم أن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على فكرة تشكيل القوة الدولية التي نصّت عليها خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وكذلك على إنشاء مركز التنسيق المدني–العسكري الأمريكي، فإنها لا تزال تُبدي تحفّظاً غير معلن تجاه تفاصيل التنفيذ وآلية المشاركة.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد الماضي إنّ بلاده ستقرر بنفسها ماهية القوات الأجنبية التي سيُسمح لها بدخول قطاع غزة ضمن القوة الدولية المزمع تشكيلها للمساعدة في إنهاء الحرب وفق خطة ترمب.
وفي حين استبعدت إدارة ترمب إرسال قوات أمريكية إلى غزة، فإنها تُجري محادثات مع كل من إندونيسيا والإمارات ومصر وقطر وتركيا وأذربيجان للمشاركة في القوة المقترحة.
وقال نتنياهو خلال اجتماع حكومته: "نحن نتحكم بأمننا، وقد أوضحنا أن إسرائيل هي من ستحدد الجهات غير المقبولة ضمن القوة الدولية، وهذه هي سياستنا وسنواصل تطبيقها".
وأضاف: "هذا الموقف مقبول لدى الولايات المتحدة، كما عبّر عن ذلك ممثلوها الكبار خلال الأيام الماضية".
وفي سياق دعم وقف إطلاق النار الهش، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال زيارته لإسرائيل الجمعة إنّ القوة الدولية يجب أن تتكوّن من قوات تَقبل بها إسرائيل، مضيفاً أن مستقبل الحكم في غزة لا يزال قيد النقاش بين إسرائيل والدول الشريكة، لكنه لن يشمل حركة حماس.
وأشار روبيو لاحقاً إلى أنّ مسؤولين أمريكيين يدرسون خيارات تفويض القوة الدولية عبر قرار من الأمم المتحدة أو اتفاق دولي يمنحها شرعية الانتشار في غزة.
وفي مستهل اجتماع حكومته، شدد نتنياهو على أن إسرائيل دولة مستقلة، نافياً ما يتردد عن أن الإدارة الأمريكية تفرض عليه توجّهاته الأمنية، ووصف العلاقة مع واشنطن بأنها "شراكة متبادلة" وليست تبعية.
ويرى دبلوماسيون ومحللون أن ترمب تمكّن من دفع نتنياهو لقبول الإطار الأمريكي لاتفاق سلام أوسع، كما أجبره على الاتصال بنظيره القطري لتقديم اعتذار رسمي بعد فشل غارة إسرائيلية استهدفت مفاوضين من حماس في الدوحة.
ويشير هؤلاء إلى أن نتنياهو ظلّ يرفض طويلاً الضغوط الدولية الداعية لوقف إطلاق النار في غزة، قبل أن يُرغَم على التكيّف مع المسار الأمريكي الجديد.












