ووفق مراقبين، تمثل هذه الخطوة تهرباً جديداً من حكومة بنيامين نتنياهو في ظل ضغوط وانتقادات دولية لمنعها الصحفيين من دخول غزة، خلال سنتين من الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية الأحد أن حكومة نتنياهو قدمت للمحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية)، رداً على التماسات تلقتها ضد منع الصحفيين من دخول غزة.
وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستصيغ "خطة أو سياسة جديدة" خلال شهر، وتقدم إفادة في هذا الشأن بحلول 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مضيفة أنه “في الأيام المقبلة، وحتى صياغة هذه السياسة، ستستمر إمكانية دخول صحفيين إلى غزة، تحت حراسة الجيش الإسرائيلي حتى الخط الأصفر”.
ويفصل هذا الخط الوهمي بين الأراضي التي يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي عليها في غزة حالياً، وتلك التي لا يوجد فيها.
وإضافة إلى منع الصحفيين من دخول غزة، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 238 صحفياً وصحفية فلسطينيين، وأصاب واعتقل آخرين، منذ بدء حرب الإبادة بدعم أمريكي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتؤكد منظمات حقوقية وإعلامية، فلسطينية ودولية، أن منع إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين واستهدافها نظراءهم الفلسطينيين، يهدف إلى الحيلولة دون نقل ويلات الإبادة وتداعيتها إلى العالم.
“سلاح حرب”
وفي سياق ذي صلة، قالت منسقة مشروع منظمة أطباء بلا حدود في غزة كارولين ويلمِن، إن إسرائيل ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، ما زالت تستخدم المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين، وأكدت أن "المساعدات الإنسانية المرسلة إلى قطاع غزة لا يجب أن تُربط بأي شروط سياسية".
وأوضحت ويلمن أن الهجمات الإسرائيلية على القطاع انخفضت بشكل كبير منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الجيش الإسرائيلي شنّ هجوماً واسعاً في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مع استمراره إطلاق النار شبه اليومي.
وأشارت إلى أن الأوضاع الإنسانية في غزة لم تتحسن كثيراً، إذ لا يزال نقص المياه والمأوى قائماً، وأن مئات الآلاف ما زالوا يعيشون في الخيام مع اقتراب فصل الشتاء، ولفتت إلى أن فرق المنظمة تواصل تسجيل حالات سوء تغذية حاد بين الأطفال دون الخامسة والحوامل، وأن الوضع الغذائي لا يزال مقلقاً رغم وجود تحسّن طفيف.
وقالت أيضاً إن تقديم الخدمات الصحية اليومية ما زال صعباً جداً رغم وقف إطلاق النار، وتابعت: "فلسطينيو غزة يعيشون منذ عامين رعب الإبادة الجماعية. نحن بحاجة ماسة للمساعدات فقط لضمان أن ينام الناس على فراش وبطانية داخل خيمهم. وإعادة إعمار غزة سيستغرق وقتاً طويلاً، لكننا حتى الآن لم نصل إلى الحد الأدنى من الشروط الإنسانية الأساسية في القطاع".
“غير صالحة للحياة”
وفي السياق، قال رئيس اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل (ICAHD)، عالم الأنثروبولوجيا جيف هالبر، إن تل أبيب تسعى عبر عملياتها العسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى جعل قطاع غزة غير قابل للحياة من خلال التدمير الممنهج للمنازل والبنى التحتية.
وفي تصريح للأناضول على هامش الجلسة النهائية لـ"محكمة غزة"، أوضح هالبر أن إسرائيل دمرت منذ اندلاع عدوانها الأخير نحو 300 ألف منزل في غزة، ضمن سياسة "التطهير العرقي المستمرة" الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة "إسرائيل الصهيونية الموحدة".
و"محكمة غزة" مبادرة دولية مستقلة أسسها أكاديميون ومثقفون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلو منظمات مدنية بالعاصمة البريطانية لندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بسبب "إخفاق المجتمع الدولي تماماً في تطبيق القانون الدولي بقطاع غزة".
وأشار هالبر إلى أن إسرائيل، منذ نكبة عام 1948، هدمت ما يقرب من نصف مليون مبنى يخص الفلسطينيين، بينها منازل ومساجد وكنائس ومدارس، مؤكداً أن الدمار في غزة "يتجاوز الأهداف العسكرية إلى القضاء على مقومات الحياة المدنية بالكامل".
وانتقد ما يسمى "مجلس السلام" الذي اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإدارة غزة مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، معتبراً أنه "يشكل خطراً كبيراً لأنه يلغي أي صوت لأهل القطاع"، وأضاف أن القرارات المتعلقة بمستقبل غزة تُتخذ "من دون استشارة سكانها أو حتى إشراك السلطة الفلسطينية".
كما حذر هالبر من تهديد يطول المواقع الدينية في غزة بعد تدمير العديد من المساجد والكنائس التاريخية، قائلاً إن "هناك خطراً حقيقياً بتحويل المساجد إلى كُنُس إذا استمرت إسرائيل في فرض واقع الدولة اليهودية الكاملة على فلسطين".
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة "حماس"، وفقاً لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وأوقف الاتفاق إبادة إسرائيلية، خلّفت في غزة 68 ألفاً و519 شهيداً فلسطينياً، و170 ألفاً 382 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، وألحقت دماراً طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية.















