تابعنا
تبلغ مساحة زيلانديا نحو 4.9 مليون كيلومتر مربع، ما يجعلها أصغر قارة على وجه الأرض، فتلك المساحة تعني أنّها أكبر قليلاً من الهند وقرابة نصف مساحة أوروبا، لكنّها أكثر القارات غمراً بالمياه، باعتبار أنّ نسبة 94% من مساحتها تحت الماء.

لم يعدّ مصطلح القارة الثامنة "زيلانديا" غريب الورود في عالم الجيولوجيا وأبحاث الأرض، فتلك التي تغمرها المياه جنوب غرب المحيط الهادئ، التي لطالما شغلت العلماء خلال القرن العشرين، باتت أسرارها والأسئلة حولها علميّاً اليوم أقرب إلى التفسير.

ووصل بعض الأبحاث إلى رسم خرائط 4D لها بتقنيات غاية في التطور، ترصد الغلاف الصخري القاري ومراحل تطوّره منذ العصر الحجري، حيث تمكن ملاحظة التبدّلات التي ألمّت بتكوين القارة خلال مراحل التحوّل الكبرى التي مرّت بها، والمواد التي تكوّنت منها قشرتها.

عن زيلانديا

تبلغ مساحة زيلانديا نحو 4.9 مليون كيلومتر مربع، ما يجعلها أصغر قارة على وجه الأرض، فتلك المساحة تعني أنّها أكبر قليلاً من الهند وقرابة نصف مساحة أوروبا، لكنّها أكثر القارات غمراً بالمياه، باعتبار أنّ نسبة 94% من مساحتها تحت الماء، أما المساحة غير المغمورة منها فهي نيوزيلندا والجزر المحيطة بها.

وفق الأبحاث الجيولوجية المتلاحقة التي لم تنقطع خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، وسنوات القرن الحالي، تعود التكوينات الصخرية للقارة إلى أصول مختلفة، فبعضها ترجع أصوله إلى تكوينات قارة غندوانا المبكرة، التي تشير الدراسات إلى أنّ زيلانديا بدأت بالانفصال عنها في أواخر العصر الطباشيري، منذ نحو 83 إلى 79 مليون سنة.

وفي أثناء انقسامها شهدت نشاطاً بركانياً متكرراً داخل القارة، ما أدى إلى تشكل تكوينات مماثلة لتلك التي وُجدت في تاريخ القارة القطبية الجنوبية وأستراليا، وهو ما يشير أيضاً إلى اشتراكهما مع زيلانديا بالتاريخ الجيولوجي في المراحل المبكّرة.

اكتشاف زيلانديا

في الوقت الذي يتجه بعض المصادر التاريخية إلى القول إنّ البحار الهولندي أبيل تسمان اكتشف القارة الثامنة عام 1642م، ترفض ذلك قطعياً مصادر أخرى، لكنّ تسمان كان هدفه اكتشاف قارة جديدة، وحينما حطّت رحلاته في إحدى الجُزر النيوزيلندية اعتقد أنّه اكتشف القارّة، وتعرّف على سكّانها في ذلك الوقت الذين كانوا من شعوب الماوري.

وفي عام 1895، قدّم عالم الطبيعة الاسكوتلندي جيمس هيكتور، أدلة على وجود زيلانديا بعد أن كان في رحلة لمسح سلسلة من الجُزر قبالة الساحل الجنوبي لنيوزيلندا، ومن النتائج التي توصّل إليها هيكتور في هذا المسح أنّ نيوزيلندا عبارة عن بقايا سلسلة جبلية كانت عبارة عن منطقة قارية كبيرة، الآن مغمورة بالمياه.

إلا أنّ ذلك لم يُدعَم علميّاً بشكل كبير حتى السنوات الأخيرة، ويُعد عام 2014 محورياً في الاعتراف العلمي الموثّق بقارة زيلانديا كقارة مستقلّة، وذلك من خلال بحث بعنوان "زيلانديا الأرض المخفية" للباحثَين النيوزيلنديَين نيك مورتيمر وهاميش كامبل.

ودعم بحث العالَمين الجيولوجيَّين تصنيف زيلانديا كقارّة، وانتشر منذ ذلك التاريخ الحديث عنها في مختلف مراكز الأبحاث والجامعات ووسائل الإعلام.

لكن قبل هذا التاريخ، كان اسم زيلانديا مقترحاً كقارّة منذ عام 1995، حين تحدث الجيوفيزيائي وعالم المحيطات الأمريكي بروس لوينديك لأول مرة عن اسم ومفهوم القارة المغمورة، بعد سلسلة من الرحلات الاستكشافية والأبحاث التي أجراها، مع فريق من الباحثين.

وبعد تلك المحطات التاريخية تتالت الدراسات، واختلفت في تحديد المراحل الأساسية لتكوين القارة وغمرها، وفي تحديد بنيتها الجيولوجية، لكنّ أبحاثاً أساسية كان لها بالغ الأثر في فهم طبيعة وتركيبة القارة الثامنة.

من تلك البحوث، الورقة التي نُشرت عام 2020 نتيجة الرحلة الاستكشافية رقم 371، التي أشارت إلى تفاصيل جديدة توضح أوجه التشابه والاختلاف بين زيلانديا وبقيّة القارات، خصوصاً تلك التي تشترك معها في التاريخ الجيولوجي. وتلت هذه الدراسة واحدة أخرى عام 2021 ذهبت أعمق في البحث ورسم الخرائط وتحليل البنى الصخرية والقشرة القاريّة.

دراسات جديدة أكثر دقة

وفي 12 سبتمبر/أيلول الجاري، خرجت دراسة جديدة يمكن عدّها الأوضح والأكثر دقّة علميّاً، بوصفها تحمل بيانات جيوكيميائية وعينات صخور وقراءات زلزاليّة.

وقدّمت الدراسة الأخيرة أدق معلومات عن أوجه الشبه بين القارة الثامنة وغيرها، محددةً مراحل تاريخية تعد الأكثر دقّة حتى الآن حول تكوين القارّة.

الدراسة التي أجراها مجموعة من العلماء في هيئة المسح الجيولوجي النيوزيلندي، كشفت في المقام الأول عن تشابهات بين زيلانديا والقارة القطبية الجنوبيّة، وهو ما يعني وفق التحليل العلمي الذي خرجت به الدراسة، حدوث ما يُدعى "عملية اندساس" بين القارتين قبل نحو 250 مليون سنة، بمعنى أنّ حافتين من القشرة القاريّة اصطدمتا وأدى ذلك إلى اتجاه إحداهما نحو عمق الأرض.

وقد أدت الصدوع بين حافات القارات الثلاث، زيلانديا وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية، إلى ظهور بحر تسمان جنوب المحيط الهادئ قبل أكثر من 80 مليون سنة.

إلى ذلك، فقد قدّمت الدراسة الجديدة خرائط جيولوجيّة دقيقة، تشير إلى وجود تشوّهات في بنى القارة القطبية الجنوبية وزيلانديا يفسّرهما التاريخ المشترك ومن ثم الانفصال.

زيلانديا سياسياً

بناءً على اتفاقية الأمم المتحدة للبحار، فإنّ إثبات أنّ نيوزيلندا جزء من قارة مستقلّة، يعني زيادة مساحة أراضيها بمقدار ستة أضعاف، على اعتبار أنّ القانون أباح المطالبة بالجرف القاري الممتد، وبناءً عليه يمكن للدول توسيع أراضيها خارج منطقتها الاقتصادية إلى 200 ميل بحري خارج سواحلها، وهذا سيتضمن بلا شك مزيداً من حقوق التنقيب عن الثروات، ومساحات هائلة جديدة للاستثمار بطرق مختلفة.

وعلى ما يبدو أنّ ذلك واحد من الأسباب التي تبرّر وفرة إرسال البعثات الاستكشافية النيوزيلندية وتطوير الأبحاث فيما يخص إثبات وجود القارة، وضخ الأموال باتجاه ذلك. وما يصبّ في مصلحة نيوزيلندا في هذا السياق هو أنّها البلد الوحيد الموجود في القارة الثامنة، لا تشاركها فيها سوى جزيرة كاليدونيا الجديدة التابعة لفرنسا.

زيلانديا وتاريخ الأرض والحياة

بعيداً عن عوالم السياسة والاقتصاد، تقدّم الأبحاث التي تتركز حول القارة الثامنة -خصوصاً البحث الجديد الذي أعاد الجدل إلى طاولة الجيولوجيين- معلومات قيّمة للغاية تسهم في فهم أعمق للقشرة الأرضية وتاريخ انقسام القارات وتكوينها.

كما تقدّم تطويراً للأبحاث الخاصّة بالزلازل والبراكين، وأثر التغيّرات المناخيّة على التكوين الجيولوجي للأرض، وهو ما يقع في مقدّمة اهتمام الباحثين في عصر يزداد فيه تأثير التغيرات المناخية على الكوكب.

ولا يقتصر تأكيد وجود القارة الثامنة على فهم تاريخ زيلانديا فحسب، بل إنّه يسهم في فهم تاريخ الأرض بشكل عام، وتاريخ الحياة عليها أيضاً، فدراسة تكوين صخورها تتضمّن بما لا شك فيه، مؤشرات على تاريخ الحياة في تلك القارة، التي من المفترض أنّ كثيراً من أنواع الديناصورات اكتُشفت آثارها فيها.

TRT عربي