تشتهر جزر القمر بصادراتها من النباتات العطرية وزيوتها الأساسية، وعلى رأسها الفانيليا والقرنفل وزهرة اليلانغ، حيث تمثل هذه المنتجات الثلاث نحو 70% مما تصدره البلاد نحو الخارج، إذ يجري استخدامها في تصنيع العطور الفاخرة ومستحضرات التجميل.
بالمقابل، وخلف عبير هذه العطور الساحر، تقبع معاناة كبيرة، تلك التي تكابدها العمالة المحلية، سواء في عملية القطف أو التقطير، حيث يجري استغلالهم من الشركات العطور العالمية مقابل أجور هزيلة. كما تشكل زراعة هذه النباتات وإنتاج هذه الزيوت تهديداً للغطاء الغابوي في جزر القمر.
فيما تأتي فرنسا على رأس قائمة مستوردي هذه المنتجات القُمرية، وعلى وجه أخص صناعة العطور الفرنسية الفاخرة، إذ تحظى بأزيد من ربع ما يصدره الأرخبيل من الزيوت والنباتات العطرية. وهو ما يجعلها المسؤول الأول عن الأوضاع السيئة التي تعانيها شغيلة القطاع هناك.
آلام زهرة اليلانغ
تلبي جزر القمر أكثر من نصف الطلب العالمي على زيوت زهرة اليلانغ. وعام 2022 مثَّلت هذه الصادرات بين 15 و20% من مداخيل التصدير بالبلاد، بما يفوق 2.5 مليون دولار، ما جعل هذه النبتة العطرية تستحق لقب "أميرة جزر القمر".
في الحقول، الوضع أبعد من أن يكون بشاعرية ذلك اللقب، حيث يشتغل عمال القطف، وفي أغلبهم نساء، لساعات طويلة في اليوم، في ظروف تغيب عنها أي شروط صحية أو حماية من أي نوع، مقابل ثمن لا يتعدى 6.5 دولار في اليوم.
هو الواقع الذي كشفه تحقيق أخير لموقع "ميديابارت" الفرنسي، ناقلاً على لسان الخبيرة في شؤون اليلانغ وسيلاتي مباي، بأنه في "أفضل الظروف" تشتغل عاملات القطف مقابل 6 يوروات (6.5 دولار) في اليوم، ويمكن لهذا الرقم أن ينخفض إلى أقل حسب ما سيدفعه المستورد الأجنبي.
بينما الرجال، والذين يشغلون مهمة التقطير، ليسوا بأفضل حال. إذ يورد التحقيق بأن عمال التقطير يتلقون ما بين 15 و20 يورو (10.8 و21 دولاراً) على كل دورة تقطير، والتي يمكن أن تستمر من 10 إلى 16 ساعة.
وأوضحت الخبيرة القمرية وسيلاتي مباي أن هذه المكافآت "ضئيلة مقارنة بما ستكسبه العلامات التجارية الفاخرة: من الواضح أننا خاسرون". وتجمع شركات أوروبية، في أغلبها فرنسية، الزيوت الأساسية لليلانغ، ثم تبيعها لمصنّعي مستحضرات التجميل والعطور الفاخرة.
بلغة الأرقام، يورد تحقيق "ميديابارت"، يترواح سعر الكيلوغرام من زهور اليلانغ غير المعالجة من 50 إلى 60 سنتاً فيما لا يتعدى سعر الزيوت يوروَيْن (2.1 دولار). بالمقابل، تتراوح أسعار عطر "ديور شانيل رقم 5" الفرنسي الشهير، والذي يستخدم فيه زيت اليلانغ بشكل أساسي، بين 75 يورو (80.75 دولار) لعبوة الـ35 ملليلتر إلى 246 يورو (265 دولاراً) لعبوة الـ200 ملليلتر.
تهديد للقطاع الغابوي
مقابل كل هذه المعاناة التي يكابدها عمال اليلانغ واستغلالهم في سوق العمل، في حين تجني الماركات العالمية، والفرنسية على وجه التحديد، أرباحاً طائلة من كدحهم، يقبع خطر أكبر، هو الذي يهدد القطاع الغابوي، عبر جور حقول اليلانغ على غابات الأرخبيل، واستخدام وحدات التقطير للحطب بشكل مكثف.
وتبلغ المساحات المزروعة باليلانغ في جزر القمر نحو 500 هكتار، وهي مساحات مرجحة دائماً للاتساع، مع بحث المزارعين عن أراضٍ خصبة جديدة للحصول على إنتاج وفير، عوض الأراضي المستنزفة.
إضافة إلى هذا، تستهلك وحدات التقطير مجتمعة ما يعادل 910 كيلوغرامات من الحطب لكل دورة تقطير. ما يجعل إنتاج اليلانغ، حسب المدير الإقليمي للغابات والبيئة في جزيرة هنزوان بكر زحلات، يساهم فيما يتراوح بين 15 و20% من تدمير الغطاء الغابوي في الأرخبيل.