إيلون ماسك  / صورة: AP (Chris Carlson/AP)
تابعنا

أعلن إيلون ماسك، بشكل مفاجئ، نيته إطلاق نسخته الخاصة من تكنولوجيا روبوت الدردشة تحت اسم TruthGPT، وذلك بعد أقل من شهر من توقيعه على عريضة أصدرها مركز The Future of Life الذي يعد من أبرز المساهمين فيه، لوقف العمل على تطوير هذه التكنولوجيا لمدة ستة أشهر تكون كافية من أجل النظر في التداعيات المحتملة لها على حياة البشر.

وبالنظر إلى تاريخ إيلون ماسك في السنوات الأخيرة، وقصته المثيرة للجدل مع تويتر (وفشل صاروخ Space X منذ أيام وتفجره في الهواء بعد انطلاقه للفضاء بأربع دقائق) كل ذلك يجعل من الصعب على المراقب أن ينظر بارتياح إلى نية ولوج ماسك إلى عالم تكنولوجيا روبوتات الدردشة.

يأتي الشعور بعدم الارتياح هذا بالرغم من معرفة أن إيلون ماسك ليس بالوافد الجديد على عالم الذكاء الصناعي. فقد ساهم هو نفسه في تأسيس شركة غير ربحية سميت OpenAI في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 وذلك على هيئة مختبر متقدم معنيّ بأبحاث الذكاء الصناعي، وهي الشركة التي أصبحت مسؤولة لاحقاً عن إصدار نماذج ChatGPT. في ذلك الوقت كان ماسك مدفوعاً بمخاوفه بشأن المخاطر المحتملة لتطوير الذكاء الاصطناعي غير المنضبط وإساءة استخدامه المحتملة.

غير أن ماسك تنحّى عن مجلس إدارة الشركة في فبراير من عام 2018 بسبب ما قال إنه "تضارب مصالح" محتمل مع مشاريعه الأخرى على رأسها شركة تسلا للسيارات الكهربائية وشركة SpaceX للمركبات الفضائية. انتقلت شركة OpenAI منذ ذلك الحين إلى نموذج الشركات الربحية لجذب المستثمرين. وبالرغم من أنه لم يفصح بشكل محدد عن المصالح المتضاربة المحتملة التي أشار إليها، فإن المراقب لتفاصيل سير عمله يمكن أن يكوّن نظرة عامة عنها.

فتسلا على سبيل المثال تعتمد على الذكاء الصناعي في العديد من تطبيقاتها بما في ذلك أنظمة الملاحة الآلية والقيادة الذاتية الكاملة Full Self-driving Sysgem-FSD. ونظراً إلى أن شركة OpenAI تُطوّر أبحاثها وقدراتها في مجال الذكاء الصناعي، فقد أصبح من الوارد أن يؤثر ذلك أو يتقاطع مع تطوير الذكاء الصناعي الخاص بشركة Tesla. إن انخراط ماسك مع شركة OpenAI يمكن أن يمنح شركة تسلا ميزة غير عادلة على المنافسين أو قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات متحيزة.

انتقد إيلون ماسك لاحقاً شراكة OpenAI ومايكروسوف. وفي خطوة نُظر إليها على أنها ردة فعل، أعلن ماسك وفق صحيفة وول ستريت جورنال، عن إنشاء شركة تحت مسمى X.AI Crop. وفي حديثه الأسبوع الماضي مع فوكس نيوز، أوضح أن نموذج الدردشة المعزز بالذكاء الصناعي الذي ينوي إطلاقه سيكون أقل إشكالية من النماذج الصادرة حالياً وأكثر فائدة للإنسان.

بطبيعة الحال لا أحد يدري ما إذا كان عن قصد أم حدث ذلك من قبيل الصدفة أن يسمى ماسك منتجه المتوقع باسم TruthGPT، حيث يتقاطع مع المنتج الذي أصدره الرئيس السابق دونالد ترمب Social Truth وهي منصة شبيهة بتويتر وذلك على إثر حظره من منصات التواصل الاجتماعي بسبب ضلوعه في تحريض أتباعه على اقتحام مبنى الكونغرس في مستهل عام 2020.

كان ممكن أن يكون إعلان ماسك اقتحام عالم روبوتات الدردشة حدثاً احتفالياً حتى عام 2020، حيث كان يحظى بأبهى صور تألقه كرجل أعمال ناجح جداً قد جلب تكنولوجيا السيارات الكهربائية من عالم الخيال إلى الواقع.

ولكن في عام 2023، لا يبدو أن إعلانه يحظى بأي نوع من الاحتفالية، فقد انتقلت صورة ماسك من رجل الأعمال العبقري، إلى رجل الأعمال المهووس والمتقلب وحتى المضحك في كثير من الأحيان. لنا أن نتخيل حجم السخرية التي حيكت حول الرجل عندما غيّر مؤقتاً شعار تويتر الأيقوني (العصفور الأزرق) إلى شعار العملة المشفرة “دوجكوين" (Dogecoin) التي يرمز شعارها إلى كلب من سلالة "شيبا إينو". لقد أضرت الطريقة التي أدار بها ماسك شركة تويتر بعد الاستحواذ عليها صورته العامة، وبدل من الحفاظ على هذا "الفضاء العام" كما نعته، سليماً للتداول الصحي للمعلومات، جعله فضاء للجدل وإثارة السخريات.

لقد تحولت منصة تويتر إلى فضاء أقل اعتدالاً مع ماسك، وذلك بسبب انخفاض عدد الموظفين المعنيين بقضايا الخصوصية والسلامة، وانخفاض القدرة على الإبلاغ عن المشكلات، وزيادة خطاب الكراهية. كما عبثت تويتر-ماسك بنظام التحقق الخاص به، فقد أصبح الوصول ليس لصاحب الرأي أو المعلومة السديدة، بل لأولئك الذين يدفعون الاشتراك الشهري. هذا فضلاً عن اختراع جملة من الإشارات الجديدة كتلك التي تشير إلى مصادر الأخبار. وبالرغم من أنها مخصصة لتعزيز عملية التحقق من مصدر الخبر فقد أصبحت بشكل أكبر طريقة لتشويه المصدر، وذلك من خلال صياغتها على شاكلة "وسائل الإعلام الممولة من الحكومة". ومن المثير للسخرية أن صحيفة بحجم نيويورك تايمز، والتي لطالما انتقدها ماسك، قد فقدت علامة التحقق الخاصة بها الأمر الذي فتح المجال لانتحال هويتها.

في حديثه على قناة Fox News، قال ماسك إن برنامج TruthGPT الخاص به سيكون بمثابة "النموذج الأقصى من الذكاء الصناعي الساعي إلى فهم طبيعة الكون"، مؤكداً أنه من أشد المؤيدين لتنظيم عملية تطوير الذكاء الصناعي لمنعه من تدمير المجتمع.

على عادته، يبدو هذا الكلام مغرقاً بالعموميات، وغير واضح من الناحية العملية. وهو أمر يعزز المخاوف حيال أن ماسك ليس لديه أي تصور حقيقي حول ماهية هذا النموذج الذي ينوي تطويره وتحقيق تلك الغايات العريضة التي يتحدث عنها.

يتعلق جزء من الإشكال بالمنطلقات السياسية والفكرية لإيلون ماسك، فمع بداية إطلاق OpenAI لنموذجها انتقد ماسك وسائل الإعلام لعدم تخصيصها المساحة الكافية لتناول هذا الحدث الكبير، وذلك تحت ذريعة أنه لا يشكل قضية من قضايا "اليسار التقدمي". لاحقاً، بدأ ماسك أيضاً بانتقاد القائمين على تطوير نماذج OpenAI، واتهامهم بأنهم منحازون سياسياً ضد قضايا المحافظين. ميوعة إيلون ماسك السياسية، وانزياحه المتواصل نحو اليمين، لا يمكن أن يحمل أخباراً سارة حول مستقبل نماذج روبوتات الدردشة التي ينوي العمل عليها.

يعشق إيلون ماسك المبالغات، ودائماً ما يحلم بعيداً. يعترف إيلون ماسك بأن الذكاء الصناعي العام GAI في طريقه إلى تحقيق ما يسمى بعصر التفرد، وهو سيناريو افتراضي حيث تحل الآلة محل الإنسان. ولتجنب ذلك يقترح حلاً ثورياً يتمثل بزرع شرائح رقمية في أدمغة الإنسان حتى يتمكن من اكتساب ذكاء خارق. من الجدير بالذكر أن إيلون ماسك أحد أبرز المستثمرين بالتكنولوجيا العصبية، فقد أنشأ عام 2016 شركة Neuralink والتي تركز على تطوير واجهات متقدمة بين الدماغ والآلة من أجل المساعدة في علاج الاضطرابات العصبية، وتحسين الإدراك البشري، وتمكين التواصل المباشر بين البشر والآلات.

TRT عربي