تتضمن ثلاثة مسارات.. هل تبلورت رؤية بايدن إزاء الشرق الأوسط؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

وسط مخاوف من توسع الحرب وزيادة الاستقطاب العالمي، بدأت إدارة البيت الأبيض برئاسة جو بايدن في صياغة استراتيجية جديدة تجاه الشرق الأوسط في إطار ما يُطلق عليه "عقيدة بايدن" الجديدة في المنطقة. وتعد هذه الاستراتيجية نهجاً متعدد المحاور "يجب أن تستمر خطواته بشكل حاسم؛ لضمان عدم تطور الأزمة الحالية في الشرق الأوسط إلى كارثة شاملة"، وفق الصحفي في نيويورك تايمز، توماس فريدمان.

وقال فريدمان: إن إدارة الرئيس الأمريكي تتجه نحو عقيدة جديدة تنطوي على دفعة غير مسبوقة للمضي قدماً على الفور في إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح ولكن قابلة للحياة. التي ستشمل أيضاً تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى جانب تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، والحفاظ على موقف عسكري صارم ضد إيران ووكلائها.

وعلى الرغم من الدعم الأمريكي المطلق عسكرياً وسياسياً ومالياً لإسرائيل منذ اليوم الأول لعدوانها على غزة، فإن الخلافات تتصاعد بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول سيناريو ما بعد الحرب، فضلاً عن حل الدولتين الذي تبنته الإدارة الأمريكية مؤخراً.

مسارات الرؤية الجديدة

يقول فريدمان إن عقيدة بايدن الجديدة سيكون لها ثلاثة مسارات رئيسية. على أحد المسارين، سيكون اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، بما في ذلك الانتقام العسكري القوي ضد وكلاء إيران وعملائها في المنطقة رداً على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة في الأردن بطائرة من دون طيار أطلقتها على ما يبدو جماعة موالية لإيران تنشط في العراق.

وعلى المسار الثاني ستكون هناك مبادرة دبلوماسية أمريكية غير مسبوقة للترويج لقيام دولة فلسطينية في أقرب وقت. وسيتضمن ذلك شكلاً ما من أشكال اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي لن تظهر إلى الوجود إلا بعد أن يطور الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة وذات المصداقية لضمان أن هذه الدولة قابلة للحياة، ولا يمكن أبداً أن تهدد إسرائيل، حسب فريدمان.

أما المسار الثالث فسيكون تحالفاً أمنياً أمريكياً موسعاً إلى حد كبير مع المملكة العربية السعودية، الذي قد يتضمن أيضاً التطبيع السعودي للعلاقات مع إسرائيل، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتبني عملية دبلوماسية تؤدي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح بقيادة سلطة فلسطينية متحولة.

ويؤكد فريدمان أنه "إذا تمكنت الإدارة من تجميع هذا معاً -وهو أمر ضخم- فإن عقيدة بايدن يمكن أن تصبح أكبر عملية إعادة اصطفاف استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979". إذ قال: "نحن على وشك أن نرى استراتيجية جديدة لإدارة بايدن تتكشف لمعالجة هذه الحرب متعددة الجبهات التي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة، وهو ما آمل أن تكون "عقيدة بايدن" التي تلبي خطورة وتعقيد هذه اللحظة الخطيرة".

الاعتراف بدولة فلسطينية

أفاد موقع أكسيوس الأمريكي بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أمر بدراسة الخيارات السياسية المتعلقة باعتراف واشنطن بفلسطين دولةً وعلى المستوى الدولي. وأشار مسؤولان أمريكيان مطّلعان إلى أن بلينكن طلب من مسؤولي الوزارة مراجعة خيارات الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد أن تُنهي إسرائيل هجماتها على غزة.

يذكر أن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة يأتي على رأس سلم شروط الرياض لتطبيع علاقتها مع تل أبيب. وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية، الشهر الماضي، قال وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، إن بلاده تشترط لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل أن تسلك "مساراً موثوقاً ولا رجعة فيه لإنشاء دولة فلسطينية" بما يضمن استقرار المنطقة، مبيّناً أن هذه الطريقة الوحيدة لذلك.

من جهته، يرى فريدمان أن هذه الرؤية تشير إلى الوعي بأن الولايات المتحدة لن تتمتع أبداً بالشرعية العالمية، ودعم حلفاء الناتو والحلفاء العرب والمسلمين الذين تحتاجهم لمواجهة إيران بطريقة أكثر عدوانية، حسب تعبيره، ما لم تتوقف عن السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة سياساتها، وما لم تبدأ في بناء سلطة فلسطينية ذات مصداقية وشرعية يمكنها في يوم من الأيام أن تحكم غزة والضفة الغربية بشكل فعال وباعتبارها جارة جيدة لإسرائيل على الحدود النهائية التي سيتفاوضان عليها معاً.

موقف حازم مع إيران ونتنياهو

في أول اتصال هاتفي بينهما منذ نحو شهر، أكد بايدن لنتنياهو الجمعة، أن "الحل السياسي الدائم بين إسرائيل وفلسطين لن يكون ممكناً إلا من خلال حل الدولتين"، وفق بيان للبيت الأبيض. لكن نتنياهو سارع بنفي أن يكون أبلغ بايدن بإمكانية قيام دولة فلسطينية، حسب تقرير سي إن إن.

ويقول مقال نيويورك تايمز، إنه إذا لم نرَ مثل هذه العقيدة الكبيرة والجريئة، فإن الأزمة في المنطقة سوف تنتشر بطرق من شأنها أن تعزز إيران، وتعزل إسرائيل وتترك قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث هناك نحو الأفضل في حالة يرثى لها.

من جهته، يقول نادر موسوي زاده، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الجيوسياسية Macro Advisory Partners والمستشار الكبير للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، إن هذه العقيدة الصاعدة لبايدن باعتبارها "استراتيجية حساب مزدوج" تعني أنه حان الوقت لكشف خداع إيران ونتنياهو ونهاية التسامح معهما.

وأضاف موسوي زاده: "إنك تكشف خدعة إيران استراتيجياً، وفي الوقت نفسه تشرع في مبادرة غير مسبوقة لوضع الأساس لدولة فلسطينية منزوعة السلاح، بطرق لم تفعلها الولايات المتحدة من قبل. كل مسار يحتاج إلى الآخر لينجح. وكل مسار يدعم الآخر ويبرره. إن التصدي لإيران ووكلائها يعزز أمن إسرائيل وأمن حلفائنا العرب. إن ربط ذلك بالتزام أمريكي حقيقي وجريء بإقامة دولة فلسطينية يمنحنا الشرعية للعمل ضد إيران والحلفاء الذين نحتاجهم لنكون أكثر فاعلية. وهذا يعزل إيران عسكرياً وسياسياً".

وهو الأمر الذي أكده فريدمان بقوله: "أعتقد أن هذا هو الصحيح تماماً. لقد حان الوقت للولايات المتحدة لكشف خدع إيران ونتنياهو". مضيفاً أن ما يقوله نتنياهو باللغة العبرية غير ما يقوله بالإنجليزية، وذلك في إشارة إلى أن نتنياهو قد يهمس لبايدن على انفراد بأنه قد يكون مستعداً يوماً ما للنظر في نوع ما من الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، بينما كان يقول بالعبرية علنياً عكس ذلك تماماً.


TRT عربي
الأكثر تداولاً