حصاد أبحاث الفضاء.. كيف ستغير الطاقة الشمسية مستقبل الحضارة؟ / الصورة: Getty (Others)
تابعنا

خلال الأعوام الـ200 الماضية، وبالأخص بعد الثورة الصناعية، دخلت التكنولوجيا إلى حياتنا بطرق مختلفة. وبمرور الوقت تطورت التكنولوجيا من القطارات البخارية إلى أجهزة الكمبيوتر. واليوم نشهد تطور أدوات الذكاء الصناعي التي يتوقع منها أن تقفز بالتكنولوجيا التي نمتلكها إلى مستويات قياسية من شأنها أن تحدد مستقبل حضارتنا كلياً.

من جهة أخرى، يرتبط مستقبل الحضارة بشكل معقد بقدرتنا على تسخير مصادر الطاقة المستدامة والوفرة وإدماجها مع وتيرة التطور التكنولوجي الهائلة. وبينما نسعى جاهدين للتخفيف من تغير المناخ والانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، ظهرت الطاقة الشمسية منارة للأمل. ومع ذلك فإن إمكانات الطاقة الشمسية تمتد إلى ما هو أبعد من كوكبنا.

وبفضل أبحاث الفضاء واستكشافه، أصبحنا على وشك إطلاق العنان للإمكانيات الهائلة لحصاد الطاقة الشمسية من الفضاء وإرسالها إلى محطات الاستقبال على الأرض. في هذه المقالة نتعمق في التأثير التحويلي للطاقة الشمسية الفضائية وكيف سوف تشكل مستقبل حضارتنا.

الطاقة ومقياس الحضارة

يُعَدّ التوليد المحدود للطاقة أحد أكبر العوائق أمام التكنولوجيا، لهذا فإن وجود الطاقة هو أحد أهم العوامل المؤثرة في تطور التكنولوجيا والحضارة. وعلى الرغم من التطور السريع للتكنولوجيا، فإنّ من الصعب للغاية التنبؤ بمستقبل التطورات التي قد تطرأ على حضارتنا، الأمر الذي يقودنا إلى السؤال التالي: "إلى أي مدى تطورت حضارتنا نحن شعوب العالم، وإلى أي مدى يمكن أن تتطور؟".

حتى اللحظة، لا يملك العلماء إجابة دقيقة لهذا السؤال، نظراً إلى أنهم يكتشفون حضارة أخرى ويقارنونها بالذي نملكه من تطور الآن.

رغم ذلك فإنّ عالم الفلك السوفيتي نيكولاي كارداشيف أنتج نظاماً مقبولاً دولياً يصلح مقياساً للحضارة والطاقة، يُعرف باسم مقياس كارداشيف. وقد وجد كارداشيف أنه من المناسب قياس مستوى تطور الحضارة عن طريق إنتاج الطاقة، ووفقاً لذلك طور نظاماً من 3 مستويات:

حضارات المستوى الأول هي حضارات يمكنها استخدام كل الطاقة التي تسقط على كوكبها من نجمها، أو كمية متساوية من الطاقة. هذا النجم هو الشمس بالنسبة إلينا.

أما حضارات المستوى الثاني فهي حضارات يمكنها الاستفادة من كل الطاقة التي تنبعث من نجمها، وليس فقط ما يسقط منها على الكوكب.

ويجري تعريف الحضارات من النوع الثالث بأنها حضارات مجرية ذات طاقة على مقياس مجرتها، وهي التي تستخدم ما لا يقل عن 100 مليار ضعف الطاقة المستخدمة في المستوى الثاني.

ووفقاً لمقياس كارداشيف، لسوء الحظ، فإن مستوى حضارتنا الإنسانية لا يزال في مرحلة متدنية، فالبشر على كوكبنا لا يستخدمون سوى ما يعادل 0.7% من كل طاقة الشمس. بعبارة أخرى، لا يزال أمامنا طريق طويل للوصول إلى المستوى الأول.

النقل المباشر للطاقة.. خطوة جديدة للسيطرة على طاقة الشمس

على الرغم من صعوبة رفع حضارتنا إلى مستويات المجرة، فمن الممكن اليوم رؤية الخطوات التي يجري اتخاذها للوصول إلى المستوى الأول على مقياس كارداشيف. أخيراً، نجح باحثون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في تجربة نقل طاقة الشمس من الفضاء إلى الأرض.

ولم تُستخدم أدوات مثل الكابلات في هذه العملية، بل جرى تحقيق هذا الاختراق بفضل جهاز يسمى MAPLE، جرى إطلاقه في المدار في يناير/كانون الثاني كجزء من مشروع الطاقة الشمسية الفضائية الذي أطلقه معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا للبحث عن طرق نقل الطاقة اللاسلكية من الفضاء.

في التجربة النهائية، بثت مجموعة أجهزة الإرسال الخاصة بـ MAPLE الطاقة الشمسية المجمعة في الفضاء عبر الموجات الدقيقة إلى جهاز استقبال وُضع على سطح المختبر الهندسي في حرم المعهد. وهي التجربة التي تُعتبر المرحلة الأولى لاختراع لا يقل أهمية عن الإنترنت.

كيف سيؤثر هذا التطور في مستقبل الأرض؟

خلال حديثه عن تفاصيل التجربة لموقع TRT Haber، قال البروفيسور إبراهيم دينتشر، عضو هيئة التدريس في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة أونتاريو التقنية (كندا) وجامعة يلدز التقنية (إسطنبول): "في الواقع، المفهوم ليس جديداً. صممه في الأصل المهندس في ناسا بيتير غلاسير في عام 1968، وهو العمل الذي لعب أيضاً دوراً رئيسياً في تطوير الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة الشمسية".

وحسب دينتشر فإن ما يقرب من 174 ألف تيراواط من الطاقة تأتي من الشمس. العالم ينفق 22 تيراواط فقط. هذا يدل على أنه يمكن الحصول على 8000 ضعف إجمالي الطاقة التي نستهلكها سنوياً من الشمس. بالطبع كل شيء هنا يعتمد على الدراسات التكنولوجية ونجاحها.

في الواقع، هذه التقنية تلعب دوراً مهماً للغاية في العملية التي يتحول فيها نظام اقتصادي قائم على الهيدروكربونات (مصدر أحفوري، الفحم والنفط والغاز الطبيعي) إلى نظام اقتصادي للهيدروجين، ويعاد خلاله إنشاء معادلة الطاقة. ويلفت دينتشر الانتباه إلى أنّ هذه التطورات ستكون إيجابية، وإلى حقيقة أن الطاقة الشمسية ليست تحت سيطرة أي شخص حتى الآن، ولكن الدول المتقدمة تقنياً ستلعب دوراً مهماً هنا.

تغييرات جذرية

لن تكون هناك حاجة بعد الآن إلى محطات توليد الطاقة الحرارية التقليدية. سيكون من الممكن إنشاء أنظمة طاقة مستقلة، ستغير بدورها التوازنات الاقتصادية. كما سوف تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وسوف تتغير حروب الطاقة التقليدية ومعها التوازنات السياسية أيضاً.

وعن نوع الفوائد التي سيوفرها حصد الطاقة في الفضاء ونقلها إلى الأرض، قال دينتشر: "سيسمح هذا بالاستخدام غير المحدود للطاقة الشمسية. على الأرض، لا يمكننا الاستفادة من طاقة الشمس إلا في أوقات معينة بسبب دورات النهار والليل. هذا يخلق مشكلة انقطاع للطاقة الشمسية، اعتماداً على الوقت والمكان والظروف الجوية. لكن هذا التطور المهم من شأنه أن يحل مشكلة موارد الطاقة. وبالتالي ستأتي فترة سنواجه فيها حتى محطات الطاقة الشمسية الطائرة في السنوات القادمة".

ووفقاً لدينتشر، إلى جانب هذه المزايا، من الممكن أيضاً التحدث عن العيوب، لأن هذه الطاقة يمكن جمعها واستخدامها للتدمير. لهذا السبب، قد تلعب أنظمة الطاقة الشمسية للأغراض الدفاعية دوراً مهماً للغاية في الفترة القادمة. هناك بالفعل مشاريع مختلفة لوزارة الدفاع الأمريكية بشأن هذه القضايا.

TRT عربي