تابعنا
بعد سنوات من التجاهل والتعتيم، تُثار مجدداً قضية النفايات النووية والسّامة المطمورة قبالة السواحل الليبية. وكانت قد كشفت عدة تقارير سابقة تورّط عصابات المافيا الإيطالية في ذلك مقابل أموال طائلة.

في الوقت الذي أصبح فيه العالم على مشارف كارثة مناخية وشيكة، تتطلب من الجميع التوحّد والعمل المشترك لإنقاذ مصير البشرية جمعاء، تصرّ في المقابل بعض الأطراف والجهات، على الاستمرار في سياساتها غير المنضبطة، والتي تُساهم في مفاقمة الأزمة، معرّضة بذلك عدداً من بلدان العالم لمخاطر كبيرة، وذلك سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ويبدو أنّ قضية التخلّص من النفايات النووية والسّامة في حوض المتوسط، والتي تقف وراءها "مافيا النفايات" الإيطالية، وتتغاضى عنها السلطات الإيطالية والمجتمع الدولي، تندرج في هذا الإطار.

وبالرغم مِن أنّ هذه القضية تُعتبر قديمة ومن بين القضايا المسكوت عنها إقليمياً ودولياً لتورّط أطراف عدّة فيها، إلا أنّها عادت إلى الواجهة من جديد مع الكشف عن عدة تفاصيل أخرى سلّطت الضوء على العديد من الحقائق، وإثارة وفد مِن مجلس البرلمان الليبي القضية في مؤتمر تغيّر المناخ "COP26" الأخير، باعتبار أنّ ليبيا من بين أكثر المتضررين من النفايات المدفونة قبالة سواحلها.

ليبيا.. مكب للنفايات النووية؟

وفق ما جاء في تقارير إعلامية سابقة، أيّدتها لاحقاً مجموعة من المعلومات الصادرة عن الأجهزة الرسمية في ليبيا، فقد تورّطت العديد من الدول الغربية في التخلّص من نفاياتها النووية والصناعية ودفنها في الصحراء الليبية الممتدة وفي المياه الإقليمية.

فبعد أن حقّق العالم ثورته وتطوّره الصناعي وزاد بالتالي حجم نشاطه، وتمكّن من إنشاء مفاعلاته النووية التي تناهز اليوم حدود 439 مفاعلاً نووياً، أصبح يواجه إشكالاً حقيقياً في كيفية التخلّص من النفايات الضارة الناتجة عنها، حيث أنها تُشكّل تهديداً خطيراً على الصحّة والبيئة، ويكلّف هذه الدول أموالاً طائلة.

وقد أشارت في هذا السياق، منظمة "إنتر برس" الإعلامية العالمية، إلى أنّ تكلفة دفن طن واحد من النفايات الخطيرة فى إحدى دول إفريقيا يكلّف الدول الغنية نحو 2.5 دولار، في حين أنّ دفنه فى أوروبا يتجاوز 250 دولار.

وبناء على ذلك، كانت خطط لهذه الدول، منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي، الاتجاه نحو هذه البلدان للتخلص من النفايات النووية، بأقل تكلفة وبعيداً عن الأضواء.

ومع انفجار الأحداث والتحرّكات في عدّة دول خلال السنوات الأخيرة، انتهزت العديد من الأطراف الفرصة لدفن سمومها مع تملّصها من المسؤولية في ذلك لاحقاً. وكانت ليبيا الوجهة الرئيسية في ذلك. وذلك بسبب الاضطرابات السياسية والعسكرية التي تعيش على وقعها، وخلّفت وراءها أجهزة دولة هشة وانفلاتاً أمنياً، إضافة إلى قربها الجغرافي من البلدان الأوروبية وإطلالتها المتوسطية.

وتحدثت العديد من المصادر والشهادات عن تحوّل ليبيا إلى مكبٍّ للنفايات النووية والسامة، حيث دفنت العديد من الدول، سواء عبر قنواتها الخاصة أو عن طريق العصابات الإجرامية، أطناناً من السموم في منطقة جنوب ساحل البحر المتوسط، أي قُبالة الشريط الساحلي الليبي الذي يمتدّ على طول أكثر من 2000 كيلومتر تقريباً، إضافة إلى دفن بقية النفايات في الصحراء أو تهريبها إلى بقية البلدان الإفريقية.

وبينما يواصل العالم تجاهله لهذه القضية التي تُهدد الأمن البيئي الليبي وتُهدد حياة الكثيرين، دعا وفد مجلس النواب الليبي المشارك في جلسة الاجتماع البرلماني الدولي حول المناخ، إلى اتخاذ موقف موحّد و"تجريم نقل النفايات النووية ودفنها في الدول النامية والضعيفة والبلدان التي تشهد صراعات مسلحة، وتعمّد الدول الصناعية التخلّص منها بطرق غير مشروعة من خلال العمل على تصديرها إلى دول العالم الثالث ما يمثل جريمة دولية".

"مافيا النفايات".. طمر السموم مقابل الثروة

لم تكن تصريحات الوفد الليبي، وإدانته لجريمة الدول الصناعية والمتقدّمة في دفن نفاياتها في ليبيا، هي الأولى من نوعها، حيث وجّهت الجهات الرسمية الليبية عام 2013 الاتهامات بشكل مباشر لعدّة أطراف، وكان من بينها إسرائيل وإيطاليا، وجهات أخرى.

وأُثيرت القضية في الأثناء إعلامياً وتناولتها العديد من المؤسسات والمنظمات وأثارت جدلاً محموماً، وأماطت اللثام آنذلك عن عصابات المافيا الإجرامية التي تعمل أيضاً كوسيط لتخليص هذه الدول من النفايات مقابل الأموال، ولا تزال إلى اليوم العديد من التقارير تكشف في ذلك المزيد من الحقائق الدقيقة والحساسة.

فبينما كان يرتبط مفهوم المافيا في أذهان الكثيرين غالباً، بتهريب المخدرات والأسلحة وغسيل الأموال، وجرائم القتل وغيرها، يكتشف الجميع مؤخراً مجالاً نشيطاً غريباً لعصابات المافيا الإيطالية وهو تهريب النفايات والمواد السامة مقابل المال.

وبحسب ما جاء في تقرير سابق لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، فإنّ عصابات المافيا الإيطالية تتقاضى مبالغ مالية تصل إلى حدود 20 مليار يورو سنوياً، مقابل طمر شحنات من النفايات الخطيرة قبالة السواحل الليبية.

ونقلاً عن بعض المصادر الإعلامية، فقد أكّد ناشط سابق في منظمة "السّلام الأخضر" ومستشار في إدارة النفايات، أن عصابات مافيا النفايات الإيطالية تُدير نحو 30% من إجمالي النفايات المتولّدة في إيطاليا، أي ما يُعادل 40 مليون طن متري في السنة.

وقد نما نشاط هذه العصابات البيئية خلال السنوات الأخيرة وامتدّ نشاطها إلى عدة مناطق حول العالم، واستعانت بها الكثير من البلدان الغربية للتخلص من سمومها الناتجة عن نشاطاتها الصناعية والنووية.

TRT عربي