تابعنا
حسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلية ألقى 70 ألف طن من المتفجرات، دمّرت نحو 70 ألف وحدة سكنية بالكامل، فيما أصبحت 290 ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن، إضافةً إلى تدميرها كثيراً من المدارس والمساجد والأماكن الأثرية.

بعد كل عملية تدمير تطول أحياء ومدن قطاع غزة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، يتساءل الفلسطيني المقيم في غزة بحسرة وقهر: "هل فكرت يوماً أن تفقد مدينتك؟ أن تُمحى كل ذكريات طفولتك وشبابك في أيام؟"، هذه الأسئلة تتكرر بعد كل قصف إسرائيلي يستهدف البيوت والمباني والبنية التحتية، منذ بداية الحرب في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

"حي الشجاعية هو الوطن الصغير الذي كبرت فيه"، جملة بدأت بها حديثها الفلسطينية نجلاء السكافي (32 عاماً)، حول الحي الذي وُلدت فيه وترعرعت بين أزقّته وشوارعه شرقي مدينة غزة، وجمعَ ذكريات الأجداد والآباء والأقارب، وحتى ذكريات طفولتها وشبابها معهم.

تقول نجلاء لـTRT عربي إن أكثر ما تشتاق إليه هو الطريق المؤدي إلى الحي، وهو ما يطلق عليه محلياً "مفترق الشجاعية"، الذي تعدّه عالماً ينبض بالحياة، نظراً لانتشار الباعة والمحال التجارية وروائح الأكلات الشهية المنبعثة من المطاعم الشعبية التي اتخذت من المفترق مكاناً لها، وكان يشهد ازدحاماً في كل وقت ومناسبة.

وُلدت الفلسطينية نجلاء في "الشجاعية" الذي يعد من أكبر الأحياء في غزة ويُعرف أهله وسكانه بأنهم محافظون، وتجمعهم علاقات اجتماعية قوية تتميز بالأصالة، مترابطة متوارثة بين الأجيال الذين يساند بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان.

نزحت نجلاء من الحي حيث مكان سكنها، بعد أن أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات ورقية على أحياء مختلفة بمدينة غزة في 13 أكتوبر/تشرين الأول، إلى مدينة رفح جنوبي القطاع، وسكنت مع عائلتها في خيمة بالحي السعودي في المدينة مثل حال الآلاف من النازحين الذين أُجبروا على ترك منازلهم بعد التهديدات الإسرائيلية باجتياح المدينة والدخول إليها برياً.

اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدن وأحياء قطاع غزة شكّل كابوساً للعائلات الفلسطينية، بسبب الخراب الذي سيتركه جيش الاحتلال بعد الانسحاب. تقول نجلاء: "كنا نتوقع أن يكون الشجاعية أول الأحياء التي سيقتحمها الجيش، خصوصاً أنه تعرض في حرب 2014 لاجتياح بري وتدمير وخراب في جولات تصعيد عدة".

وتردف: "لكنّ هذه الحرب مختلفة وحجم الدمار يفوق الوصف، عندما أشاهد الصور أشعر بأنها مشاهد من الحرب العالمية، وتخطر على بالي صورة الأسيرة المحرَّرة إسراء جعابيص قبل الاعتقال وبعده".

ذكريات وأماكن مفقودة

إلى حدٍّ لا يمكن وصفه، تشتاق نجلاء إلى كثير من الأماكن التي تربطها بها علاقة وثيقة، مثل مدرسة دلال المغربي التي يقدَّر عمرها بأكثر من 40 عاماً، التي درست فيها المرحلة الثانوية، وكذلك والدتها، وتعدّ من أقدم المدارس في الحي.

وعندما لمحت نجلاء صورة للمدرسة بعد الاجتياح صرخت صرخة كبيرة من هول الصدمة لما أصبحت عليه مدرستها، المحروقة المشوَّهة بفعل القصف، كما أنها كانت تفضّل بعد يوم طويل ومرهِق أن تذهب إلى "تلة المنطار"، وهو مكان ترى من خلاله مدينة غزة بأكملها، نظراً لارتفاعها نحو 85 متراً فوق مستوى سطح البحر، أو تذهب إلى أقصى المنطقة الشرقية حيث الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء على مد بصرها، لتبعث في نفسها الراحة التي تبحث عنها بعيداً عن ضجيج الأماكن المزدحمة.

كانت الخيارات أمامها متاحة ومتعددة، منها حمام السمرة والمسجد العمري، وسوق الزاوية الأثري، جميعها أماكن أثرية يرتبط بها حي الشجاعية كونه قريباً منها، لكنها تعرضت للتدمير والحرق والتشويه فلم يبقَ من الأماكن سوى ذكرياتها.

وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلية ألقى 70 ألف طن من المتفجرات، دمّرت نحو 70 ألف وحدة سكنية بالكامل، فيما أصبحت 290 ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن، إضافةً إلى تدميرها كثيراً من المدارس والمساجد والأماكن الأثرية.

6 أشهر تغيَّر فيها كل شيء

قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي كانت صفحة الفلسطيني محمد أبو رجيلة على موقع إنستغرام تبعث الإيجابية، ينشر فيها مشاهد صوراً ومقاطع فيديو لأماكن مختلفة من بلدته خزاعة، لا يقف الأمر عند ذلك فحسب، وإنما كان ينفّذ مبادرات مجتمعية وشبابية لزيارة بلدته لتعريف الناس بها، وعن أهم ما يميزها، من الطبيعة والريف، وشوارعها المنظمة، وبيوتها الجميلة.

يقول أبو رجيلة لـTRT عربي إن ستة أشهر ماضية رسخت فاصلاً كبيراً بين الحياة قبلها وبعدها، إذ كانوا ينعمون بالأمن والأمان ويعيشون في أهدأ مكان في العالم، على حد وصفه، الذي تحول من أحلى مكان إلى أسوأ مكان، بعد الدمار وعمليات نسف المربعات السكنية التي أنهت ملامح المكان ومسحته جغرافياً. (Others)

بلدة خزاعة هي منطقة ريفية قروية، تقع في الجهة الشرقية لمدينة خان يونس جنوبي القطاع، يشتهر سكانها بالزراعة والحياة البدوية، تجمعهم صفات الكرم والجود والنخوة والطيبة وحب الأرض والوطن، كباراً وصغاراً.

يقول أبو رجيلة لـTRT عربي إن ستة أشهر ماضية رسخت فاصلاً كبيراً بين الحياة قبلها وبعدها، إذ كانوا ينعمون بالأمن والأمان ويعيشون في أهدأ مكان في العالم، على حد وصفه، الذي تحول من أحلى مكان إلى أسوأ مكان، بعد الدمار وعمليات نسف المربعات السكنية التي أنهت ملامح المكان ومسحته جغرافياً، "القصف الإسرائيلي لم يترك إنساناً، ولا حجراً ولا شجراً".

أما عن الاجتياح البري، فكان متوقعاً من سكان البلدة، خصوصاً أنها تتعرض في الأيام العادية لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، ومنها عمليات التوغل وتجريف الأراضي الزراعية. ولكنّ أبو رجيلة لم يتخيل يوماً أنه سيترك البلدة الأحب لقلبه ونفسه، ويترك الأراضي الخضراء، ويتشتت هو وعائلته وأصدقاؤه، الذين لم يتخيلوا أنهم سيعيشون في خيمة بمدينة رفح، بعيدين عن أرضهم.

يتسرب على مواقع التواصل الاجتماعي عديد من الصور لبلدة خزاعة ومدينة خان يونس وما حل فيها من دمار وخراب لم تشهده على مدار السنين من قبل، وتعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير كل مظاهر الحياة في المدينة، بما فيها المنازل والمدارس والمساجد والدفيئات والأراضي الزراعية.

سكان غزة يعيشون على الذكريات

أظهر تقرير لمنظمة "بتسيلم"، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، أن قوات الاحتلال الاسرائيلي هدمت كل مباني قرية خزاعة، بما فيها البيوت والأراضي الزراعية.

وأضاف التقرير أن الاحتلال دمَّر أكثر من 1000 مبنى حتى شهر فبراير/شباط الماضي، لإقامة منطقة عازلة في القطاع، مشيراً إلى أن نحو 70% من المباني المهدَّمة تقع في خان يونس.

وبينما يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في تدمير معالم قطاع غزة، يعيش سكانها على الذكريات. تقول أحلام حماد التي كانت تسكن منطقة "الشاليهات" غربي مدينة غزة، قبل أن تنزح إلى مدينة رفح، إنها تتحسر على مدينتها بعدما استباحتها آليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وجرفت شوارعها، ودمَّرت أبراجها، وعاثت خراباً في كل شبر بالمدينة.

تصيب أحلام غُصّةٌ عند مشاهدتها الصور ومقاطع الفيديو التي تجمعها مع أبنائها الستة في مدينة غزة، إذ كانت عندما تشعر بالملل، تأخذ أبناءها في جولة بسيارتهم الخاصة، على شارع الرشيد، يشترون أطيب الأكلات ويجلسون داخل السيارة يتنفسون البحر والهواء الطلق في منطقة الشاليهات.

وفي حديثها مع TRT عربي، تتذكر أحلام بأسى الفترة الصباحية عند شارع الرشيد، حيث كان يمارس كثير من الفلسطينيين رياضة المشي على طول الشارع كل صباح، فيما أصبح هذا الشارع الآن مساراً لآليات الاحتلال الإسرائيلي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً