تابعنا
من المتوقع طرح بنود مشروع السلام الجديد في المنطقة العربية بما يعرف إعلامياً "بصفقة القرن" عقب الانتخابات الإسرائيلية 9 أبريل/نيسان 2019، والذي يقودها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جاريد كوشنر، وتسوقها بعض الدول العربية في سبيل الضغط على دول أخرى.

تتهيأ المنطقة العربية لواقع أمني جديد يحمل عنوان "السلام بالقوة"، يقوده جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي قد يغير كل معادلات السلام في الشرق الأوسط بناءً على ما تحمله وعود رجل الأعمال الشهير ترمب بما يُعرف إعلامياً "بصفقة القرن".

الرئيس الأمريكي قام بجولة عربية عقب تقلده منصب رئيس الولايات المتحدة، حملت الكثير من الرسائل الغامضة في وقتها، ولكنها كانت جلية الفهم في تحليل مضامينها، بأن الرئيس الأمريكي الجديد يحمل مشروعاً جديداً للسلام في الشرق الأوسط.

جزء من هذا المشروع أفصح عنه، لأول مرة بشكل رسمي، على لسان السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان خلال اجتماع أيباك "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" 27 مارس/آذار الماضي، حيث طرح الخطوط العريضة للمشروع الجديد، تتضمن سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على الضفة الغربية، ووجوداً أمنيّاً إسرائيليّاً دائماً في غور الأردن، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

قصة الصفقة في الكتاب:

تفاصيل أخرى عن صفقة القرن أوردها الصحفي الأمريكي مايكل وولف في كتابه "النار والغضب" توضح بشكل جلي انحياز المشروع لخدمة مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى وتجريد الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبمقتضى هذا المشروع الجديد، بحسب الكاتب، فإن الأردن ستأخذ جزءاً من الضفة الغربية ومصر ستأخذ غزة.

وتنص هذه الصفقة كذلك، وفقاً لما تم تسريبه حتى الآن، على إنشاء دولة فلسطينية تشمل المنطقة "أ" و"ب" وأجزاء من منطقة "ج" منزوعة السلاحِ في مناطق من الضفة الغربية بسيادة فلسطينية على أراضيها محدودة وليست مطلقة، وقبول بقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، والتخلي عن القدس عاصمة لفلسطين واستبدالها ببلدة "أبو ديس"، فيما يتنازل اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم بالعودة، ويحصلون على تعويضات مالية.

حيث تعول أمريكا على عدد من الدول العربية كالسعودية ومصر والأردن، للعب دور الشريك تارة، والضاغط تارة أخرى لتحقيق هذا المشروع، بينما تتجاهل الفلسطينيين أصحاب القضية.

السعودية:

تسعى واشنطن إلى أن تستغل العلاقة الجيدة التي تربط بين الرئيس الأمريكي وصهره من جهة، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة أخرى إلى دفع السعودية لتسويق هذا المشروع وتحويل بوصلة احتلال إسرائيل أراضي عربية إلى التركيز على إيران كعدو بديل يشكل خطراً أكبر على المنطقة بحسب واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية.

مصر:

على الجانب المصري، بحكم موقعه الجغرافي القريب من قطاع غزة، فمن المخطط ضم أجزاء من القطاع إلى سيناء تحت سيادة مصرية ودعم سعودي، وهذا ما يعوّل عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليثبت بقاءه في الحكم، في ظل خسارته لقواعده الشعبية المحلية بسبب الانتهاكات الإنسانية المتتالية، والجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات، يبقى المنفذ الوحيد هو دعم دول خارجية.

وعليه تدعم السعودية مصر بمنح مالية، وصلت، وفقاً لتصريحات وزيرة التعاون الدولي والبنك المركزي خلال الـ5 سنوات الماضية، بنحو 70 مليار دولار، قُدمت على شكل استثمارات ومشروعات ودفعات لسد العجز المالي، بالإضافة إلى توفير حاجة مصر النفطية لمدة 5 سنوات.

بالمقابل، تضمن السعودية دعماً مصرياً لتحقيق أجندتها في المنطقة العربية، وعلى رأسها صفقة القرن ووقوفها إلى جانبها في الأزمة القطرية.

وفي تصريح خاص لـTRTعربي يصف النائب الأردني صالح العرموطي، "أن الموقف المصري الآن مترنح فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ ففي جلسة اتحاد البرلمانات العربية طالبت مصر من خلال ممثلها بشرعنة الاحتلال، وتعمّدت التعامل مع كلمة "دولة إسرائيل" و"دولة فلسطين" وكأنها أصبحت بالفعل دولة نعترف بها ونقر بوجودها، وهذا كان موقفاً مهيناً لنا كدول عربية."

فلسطين:

الموقف الفلسطيني الرافض لمشروع صفقة القرن جملة وتفصيلاً، جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنه؛ إذ قامت الإدارة الأمريكية بمنع وصول منحة بقيمة 10 ملايين دولار من العراق إلى الفلسطينيين كان من المفترض أن يتم تسليمها من خلال جامعة الدول العربية.

كما قلّصت الولايات المتحدة مساعدتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ما سبّب أزمة مالية كبيرة دفعت لطرد عدد كبير من الموظفين وإيقاف جزء من المساعدات.

ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية بذلك فقط، بل قامت بنقل سفارتها إلى القدس، في أول اختراق واضح وصريح للقانون الدولي، بانتزاع القدس كعاصمة لفلسطين، وإقرارها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

هذه الإجراءات دفعت أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، للخروج عن صمته ليغرد عبر موقع تويتر بقوله: "لا يوجد أمل بالسلام مع قرارات ترمب."

الأردن:

لم يكن الأردن بمنأى عن هذه الضغوط الخارجية التي دفع ثمنها بسبب مواقفه إزاء القدس ووصايته على المقدسات الدينية.

وفاقم الضغط على الأردن، قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي أعقبه مظاهرات شعبية جابت شوارع المملكة الأردنية.

رسائل ملكية كان يبثها الملك عبد الله في غالبية الاجتماعات العامة، وفي اجتماعات الصحفيين والمحللين، بأن هناك ضغوطاً خارجية تمارَس على الأردن لتغيير موقفه إزاء فلسطين بصفة عامة والقدس بصفة خاصة.

وفي اجتماع له مع العشائر الأردنية في محافظة الزرقاء، بتاريخ 24 مارس/آذار 2019، أكد العاهل الأردني موقف الأردن إزاء القدس الذي "لن يتغير"، وموقف الهاشميين تجاه المقدسات الدينية في القدس، وأن الضغوطات رغم استمرارها إلا أن الأردن متمسك بقراره للمدافعة عن القدس.

لكن، وبحسب النائب العرموطي، فإن الأردن قد تفقد الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس.

"أن الكنيست قد صادق على قانون لتحويل الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، تلاه قرار بمنع الأذان وتدنيس المقدسات ومنع المصلين من الصلاة، والذي شكل اعتداءً صريحاً على السيادة الأردنية."

ومن بين الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الأردن، تراجع حجم المساعدات السعودية إلى 165 مليون دولار عام 2017، مقارنة بعام 2015 التي تجاوزت به 470 مليون دولار، أي تقلصت بنحو 300 مليون دولار خلال عامين، وفي بداية عام 2018 أوقفت السعودية مساعدات بقيمة 250 مليون دولار.

وتُبين لنا الوثائق المذكورة في وزارة الاستثمار الأردنية حجم الملحقات المسؤولة عن دعمها السعودية على مدار الـ5 سنوات الماضية منذ عام 2012 حتى عام 2017، والتي كانت جزءاً من المنحة الخليجية للمملكة الأردنية.

وبدأت تظهر على السطح أزمة صامتة بين البلدين بسبب الموقف الأردني المعارض لصفقة القرن؛ حيث تطرقت عدة تقارير أجنبية وتحليلات سياسية عن توتر العلاقات بين الرياض وعمان دون أي تفسير أو رد رسمي على أيٍّ منها.

"الملك عبدالله شخصياً يتعرّض للضغط لتمرير الصفقة، من قِبل أمريكا وعدد من الدول الخليجية، منها السعودية، من خلال منع المساعدات عن الأردن رغم أن الدول بأجمعها تعلم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، ولكن إلى الآن لم نرَ أي شيء من المساعدات التي تم تقديمها من منحة "قمة مكة"، بالتالي تسعى هذه الدول لخنق الأردن في زاوية واحدة اقتصادياً وسياسياً "

النائب الأردني صالح العرموطي

ومن تجليات هذا التوتر توجه الملك عبدالله إلى إسطنبول لعقد القمة الإسلامية ومناقشة قرار نقل السفارة الأمريكية، الأمر الذي أزعج السعودية في المقابل، ودفعها لأن تطلب منه عدم الحضور لكنه حضر.

تخوّفت السعودية من خسارة الأردن كحليف لصالح قوى إقليمية أخرى، فدعته للقدوم إلى الرياض لمناقشة تطورات الأوضاع الراهنة، وبعد هذا الاجتماع غير المعلن عادت الأوضاع بين البلدين للاستقرار مجدداً.

وتدفقت دفعة مالية جديدة لتوطيد العلاقات بعد حراك الرابع الذي أسقط الحكومة الأردنية السابقة، فتقدمت السعودية برفقة الكويت والإمارات بمنحة مالية إلى الأردن خلال ما عُرف بـ "قمة مكة"، لمساعدتها على تخطي أزمتها الاقتصادية، بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي.

النائب العرموطي أكد لـTRT عربي، "أن الملك عبدالله شخصياً يتعرّض للضغط لتمرير الصفقة، من قِبل أمريكا وعدد من الدول الخليجية، منها السعودية، من خلال منع المساعدات عن الأردن رغم أن الدول بأجمعها تعلم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، ولكن إلى الآن لم نرَ أي شيء من المساعدات التي تم تقديمها من منحة "قمة مكة"، بالتالي تسعى هذه الدول لخنق الأردن في زاوية واحدة اقتصادياً وسياسياً وحتى إعلامياً؛ فتمارس هجمات شرسة على الأردن وموقفه السياسي، وتتهم بعض وسائل الإعلام العبرية مجلسَ النواب الأردني بأنه مجلس إرهابي ونوابه إرهابيون."

التطبيع الخليجي الذي يُقلق الأردن من حلفائه:

خلال مؤتمر وارسو هرول عدد من الدول الخليجية كسلطنة عمان والبحرين للحديث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقامت صفحة مكتب نتنياهو عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعرض لقاءِ سري جمع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير، ووزيرالخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، الذين هاجموا إيران ودافعوا عن إسرائيل، معللين أن الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة أخطر من الإسرائيلي، وأن العدو المباشر هو إيران.

"كبرنا ونحن نتحدث عن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية كأهم قضية يجب أن تُحلّ بطريقة أو بأخرى. لكن وفي مرحلة لاحقة، تراءى لنا تحدّ أكبر وأكثر سُميّة - في الحقيقة هو الأكثر سُمّيةً في تاريخنا- هو ذلك التحدي الآتي من الجمهورية الإسلامية."

وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة

فيما صرحّ وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أن العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل بحاجة إلى تحول، من أجل تحقيق السلام، وأن القرار الذي تم اتخاذه منذ سنوات بعدم التحاور مع إسرائيل كان خاطئاً، وعقّد مساعي التوصل إلى حل، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.

الكاتب والناشط السياسي الدكتور سعيد المومني يرى أن التحدي الآن أمام الأردن" تحدي خذلان الحلفاء التقليديين له في مواجهة أزمته الاقتصادية كجزء من الضغوط التي تُمارس عليه لتمرير صفقة القرن، وهناك شكل آخر من الضغوط في فتح دول خليجية قنوات مباشرة مع إسرائيل لمواجهة عدو مشترك (إيران) يعد تجاوز وتهميش لدور الأردن الذي كان يعد قناة اتصال وحلقة وصل بين هذه الدول."

ويضيف العرموطي أن "رئيس الوزراء قام بزيارة للسعودية الأيام الأخيرة، تلتها زيارة من قبل رئيس مجلس الأعيان لتذليل كل الصعوبات بين الموقف الأردني والسعودي لمساندة الجانب الأردني في موقفه ضد ما يسمونه صفقة القرن".

الفاصل الذي ينتظره العالم الآن هو الانتخابات الإسرائيلية، التي قد تغير من مجريات الأحداث مع الفائز برئاسة الوزراء، في حين أن الإدارة الأمريكية تدعم نتنياهو للبقاء في منصبه لتحقيق مصالح مشتركة، والتي تكمن بجعبتها خطة السلام بالقوة التي تحاول هذه الدول فرضها على العالم العربي تجاه فلسطين.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان (AP)
وزارة الاستثمار الأردنية: مجموع المنح الخليجية والتي منها المنحة السعودية لعدد من المشاريع في الأردن في الفترة بين 2012 - 2017 (TRT Arabi)
كتاب النار والغضب للصحفي الأمريكي مايكل وولف (Getty Images)
الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس (AP)
TRT عربي - وكالات