استهداف مراسلة الجزيرة برصاص قنَّاص إسرائيلي في أثناء تغطيها ااقتحام الاحتلال مدينةَ جنين بالضفة الغربية المحتلة (وسائل إعلام فلسطينية)
تابعنا

الصحافية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة من غزة كانت صبيحة نهار أول أمس شهيدة القلم؛ شهيدة الحقيقة. شيرين أزعجت إسرائيل على مدى سنوات كانت تنقل الواقع للعالم بالصوت والصور، الصور التي لا تروق للاحتلال، صور محمد الدرة، واقتلاع أشجار الزيتون وصور هدم المنازل والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين.

صور لا تحتاج إلى تعليق ولا كلمات، صور بآلاف الكلمات والمعاني. الكيان الصهيوني قبل سنوات قصف ودمر برج الجوهرة أو برج الصحافيين في قطاع غزة الذي يضم العشرات من القنوات العربية والدولية كما استهدف منازل العديد من الصحفيين بالحرق والتدمير.

حسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين قتلت إسرائيل أكثر من 49 صحافياً منهم علاء مرتجى مراسل "إذاعة ألوان" وعلاء السيلاوي مصور "فضائية الأقصى" وباسل فرج مصور "التلفزيون الجزائري"، وإيهاب الوحيدي مصور "تلفزيون فلسطين".

في فلسطين وفي الأراضي المحتلة تمارس إسرائيل إرهاباً إعلامياً منظماً ومنسقاً، حيث تستهدف الصحفيين بالقتل وتمنعهم من تغطية العديد من المناطق الحساسة التي لا تريد لأحد أن ينقل للعالم ما يجري فيها. والنتيجة في نهاية المطاف أن التغطية الإعلامية لهمجية إسرائيل عانت وتعاني من عدم توفر الأخبار الحرة والمستقلة والموضوعية.

وحسب لجنة دعم الصحفيين (منظمة عربية مستقلة)، فإن إسرائيل ارتكبت 652 انتهاكاً بحق الإعلاميين في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، منذ بداية عام 2021.

ما رددته كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية هو "حق إسرائيل في الرد على الهجمات عليها" وأن "حماس منظمة إرهابية" و "من واجب إسرائيل حماية مواطنيها"، كما أن هذه الوسائل الإعلامية لم تتطرق إلى جوهر المشكلة، وإلى الحصار على غزة لأكثر من 15 سنة، كما أنها لم تتطرق إلى الضغوط التي مارستها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لإلغاء نتائج الانتخابات الحرة التي فازت بها "حماس".

فصور الأطفال والجرحى، رغم دلالاتها ومعانيها غير كافية عندما تجرد من خلفيتها وسياقها والمتعلق بإيديولوجية دولة إسرائيل التي تهدف إلى استئصال الشعب الفلسطيني وتوطين يهود العالم في أرض ليست أرضهم.

المعروف عن إسرائيل أنها قوية في مجال الإعلام والدعاية والحرب النفسية، فلا غرابة، إذا وجدنا أن اليهود يسيطرون على العديد من وكالات الأنباء العالمية وعلى المؤسسات الإعلامية النافذة والمؤثرة في العالم، كما يسيطرون على الصناعات الثقافية وشبكات التلفزيون وصناعة الإعلان. إلى جانب كل هذا نجد إسرائيل تمارس سياسة قمعية خطيرة داخل الأراضي المحتلة على كل من يبحث عن الحدث والصورة والحقيقة سواء تعلق الأمر بالصحافي الفلسطيني أو بالمراسلين الأجانب.

الصحافي الفلسطيني معرض للموت يومياً، حيث الممارسات التعسفية والقمعية ضده من قبل سلطات الاحتلال. هذه الممارسات هي في جوهرها اختراق صارخ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولمبدأ الاتصال والحق في المعلومة والحق في المعرفة. ونلاحظ هنا أن إسرائيل تضرب عرض الحائط اتفاقية جنيف وكل الأعراف والقوانين الدولية التي تحمي الصحافي في زمن الحرب.

ونلاحظ أن إسرائيل التي أبتزّت واستغلت وضلّلت الرأي العام الدولي ووسائل الإعلام العالمية تعمل جاهدة على اغتيال الحقيقة وإسكات صوت الحق وتقديم وجهة النظر الفلسطينية للرأي العام الدولي. فالإحصائيات تقول إنه منذ اندلاع الانتفاضة الثانية نفذ العدو الإسرائيلي 1200 اعتداء على الإعلاميين بين قصف وضرب وتعذيب وتهديد.

وفي اليوم الذي اعتدى فيه شارون على القدس الشريف أطلقت إسرائيل الرصاص على عدد من المراسلين والمحررين والمصورين الصحافيين أثناء القيام بعملهم، فقتلت البعض وأصابت آخرين بجروح. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2000 أي العام الأول للانتفاضة الثانية، قصفت إسرائيل مراكز البث والتقوية للإذاعة الفلسطينية في رام الله فدمرتها. وتكررت العملية نفسها في عدة مناسبات بغرض إسكات صوت الحق ومن أجل التضليل والتعتيم.

إسرائيل، الدولة التي تدعي الديمقراطية واحترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان تمارس الإرهاب الإعلامي اليومي على الصحافي الفلسطيني والصحافي الأجنبي على حد سواء، وتعرضهما لمذبحة إعلامية حقيقية في زمن يظن البعض أن عهد الرقابة قد ولى في عصر الفضائيات والإنترنت وعصر الصورة والمجتمع الرقمي.

رغم كل ذلك يبقى الكفاح اليومي للصحافي الفلسطيني وسام شرف كبيراً، لأنه يكافح على عدة جبهات بقلمه من أجل إيصال الحق إلى العالم، ومن أجل اختراق الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي تحركها إسرائيل في الاتجاه الذي تريده والذي يخدم مصالحها وأهدافها.

السجل إذن، مليء بالتجاوزات والاعتداءات السافرة على الممارسة اليومية للصحافة وللإعلام، ومع الأسف الشديد، نجد أن الاهتمام بهذا النوع من الإرهاب الإعلامي، وهو إرهاب خطير لأنه يمس العقل والفكر والحقيقة، ضئيل لا يكاد يُذكر، فالكل يركّز على التصفيات الجسدية والقتل والبطش والجرائم الوحشية وهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، لكن الكل ينسى أن الفلسطيني كذلك محروم من الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية الرأي والفكر وحرية الصحافة، كما يجهل أو يتجاهل الرأي العام العالمي أن الطفل الفلسطيني البريء الذي يرشق الإسرائيلي بالحجارة لا يطالب إلا بحقه في أرضه ليس إلا. هذه هي الحقائق التي تريد إسرائيل طمسها وتغييبها عن العالم الذي أصبح يحصل على صورة مغايرة تماماً للواقع وللحقيقة.

أما بالنسبة للصحافيين والمراسلين الأجانب فالأمر لا يختلف كثيراً، حيث إن الممارسات القمعية الإعلامية وإسكات الأصوات التي تخرج عن السلطات الإسرائيلية أمر لا مفر منه. وكم من صحافي أجنبي راح ضحية القمع الإسرائيلي وهو يبحث عن الحقيقة لتقديمها إلى الرأي العام العالمي.

فالمؤسسات الإعلامية بمكاتبها ومراسليها والتي تسير في الخط الإسرائيلي تنعم بكل التسهيلات وكرم العلاقات العامة، أما كل من يخرج عن إطار الرواية الإسرائيلية فإنه يحارب بكل الوسائل والطرق.

فالمراسل الأجنبي الذي يغطي المقاومة يتعرض لمختلف المضايقات من قبل أجهزة المخابرات والجيش الإسرائيلي الذي لا يتردد في إطلاق النار على الصحافيين والمصورين عندما يتعلق الأمر بكشف الوقائع والأحداث والصور التي تكشف همجية إسرائيل. ومن ضحايا المضايقات وإطلاق النار مصور وكالة الأسوشيتد برس يولا موناكوف ومسؤول مكتب شبكة سي إن إن التلفزيونية الإخبارية بن ويدمان، والصحافي بيرتراند جوير مراسل التلفزيون الفرنسي وغيرهم كثر.

المعركة محتدمة ومعقدة، ورغم كل ما حققته المقاومة الفلسطينية من إنجازات فالمعركة الإعلامية مازالت تُحسم دائماً لصالح المحتل. نخلص إلى القول إن الأداء الإعلامي بشأن القضية الفلسطينية لم يرق إلى مستوى تضحيات المقاومة الفلسطينية وإلى مستوى القضية النبيلة والشريفة التي يستشهد من أجلها شباب في مقتبل العمر.

تناقضات إسرائيل وممارساتها القمعية والإجرامية وتصرفاتها الدكتاتورية والاستبدادية وغير الديمقراطية، لم يستطع الإعلام العربي والدولي بمختلف مشاربه الكشف عنها كما ينبغي وتقديمها إلى الرأي العام لا محلياً ولا دولياً.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً