الأسرى الأربعة من الجنود الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس لديها (الجزيرة) (Others)
تابعنا

وهو ما اعتبره قادة إسرائيل حرباً نفسية تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنجاز صفقة تبادل للأسرى لا تزال معطَّلة رغم جولات الحوار غير المباشرة بين الطرفين برعاية مصرية.

ويبدو أن حماس حاولت ضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تريد تحريكاً جزئياً للملفّ ولو على الصعيد الإنساني، وتفضح عنصرية إسرائيل الذي لا يهتمّ بجنوده من الفلسطينيين الدروز والإثيوبيين.

ويأتي هذا التطور في الوقت الذي يعاني فيه الوضع الإسرائيلي من الشلل بسبب التوجه إلى حلّ الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، ما يدفع إلى السؤال حول مدى فاعلية هذه الخطوة في الضغط على إسرائيل لإنجاز صفقة تبادل جديدة، أو على الأقل إنجاز مرحلة معينة منها، وهل تسمح الظروف الحالية بإنجاز هذه الصفقة.

محطات في التبادل

يشكّل سعي المقاومة الفلسطينية لإطلاق سراح أسراها لدى إسرائيل أحد جوانب الصراع الممتد بين الطرفين. وقد نجحت المقاومة في أكثر من محطة في إجبار إسرائيل على إطلاق سراح أسرى لديه، كان من أهمها الصفقة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة عام 1985، وتضمنت إطلاق سراح 1150 أسيراً مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين أُسروا خلال حرب لبنان عام 1982.

وفي العام 2011 أطلقت إسرائيل 1027 أسيراً فلسطينياً، بينهم 280 أسيراً محكوماً بالمؤبد العالي مقابل إطلاق حماس سراح الجندي جلعاد شاليط بعد أسر دام خمس سنوات.

واللافت في هاتين الصفقتين تحديداً إطلاق إسرائيل عدداً كبيراً من الأسرى مقابل استعادة عدد قليل جدّاً من الجنود، بنسبة تتراوح بين 1-3 جنود لكل ألف أسير فلسطيني، الأمر الذي يشير إلى حساسية موضوع الأسرى لدى إسرائيل، فضلاً عن أنه يعكس اختلال موازين القوة مع الفلسطينيين الواقعين تحت إسرائيل، مع قدرة عالية للمقاومة على انتزاع تنازلات كبيرة من إسرائيل في ميدان المعركة.

كما أن ذلك شكّل دائماً دافعية للمقاومة لأسر المزيد من جنود القوات الإسرائيلية، رغبةً في تبييض السجون الإسرائيلية التي ضمّت حتى نهاية العام الماضي نحو 4600 أسير، منهم 34 أسيرة بينهن فتاة قاصر، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين نحو 160 طفلاً.

ونجحت كتائب القسام في حرب 2014 في أسر جنديين إسرائيليين في قطاع غزة هما الضابطان في وحدات النخبة شاؤول آرون وهدار غولدن.

كما وقع في قبضتها أسيران آخران، هما هشام السيد من بدو النقب الذين يخدم بعضهم في صفوف جيش إسرائيل ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وأبراهام منغستو الإسرائيلي من أصل إثيوبي، وكلاهما دخل غزة عام 2015 في ظروف غير واضحة.

وتقول إسرائيل إن السيد ومنغستو هما مجندان سابقان في صفوف الجيش الإسرائيلي تم تسريحهما لأسباب نفسية، فيما تؤكّد حماس الصفة العسكرية لهما وإن دخلا قطاع غزة بصورة فردية، وضمن ظروف غامضة.

ومنذ العام 2015 تدور مفاوضات بوتائر مختلفة بين حكومات إسرائيل وحركة حماس لإنجاز صفقة تبادل جديدة، تريدها حماس هذه المرة أن تكون أكبر من صفقة شاليط، لأن حصيلتها هذه المرة أربعة أضعاف المرة السابقة.

وتكتمت حماس ولا تزال على الأسرى لديها، ولم تُعطِ أي معلومات عنهم إلا بالثمن الذي تريده، وتمكنت لمدة 8 سنوات من الاحتفاظ بهم رغم قدرات إسرائيل الضخمة وأذرعه الأمنية الطويلة.

معوقات

ويدور الحديث في الصفقة المحتملة الحالية عن مطالبة حماس بتنفيذها على مرحلتين، مثل "صفقة شاليط"، إذ تتضمن المرحلة الأولى إطلاق إسرائيل سراح 250 أسيراً، بما في ذلك المرضى والنساء والقُصّر، مقابل أن تقدم حماس معلومات موثَّقة عن أوضاع الأسرى لديها.

وفي المرحلة الثانية ستطلق إسرائيل سراح نحو 2000 أسير فلسطيني، بينهم قادة في صفوف الفصائل الفلسطينية.

إلا أن الحكومات الإسرائيلية من نتنياهو إلى بينيت تبدو غير متشجعة لإنجاز صفقة تبادل جديدة، لأسباب عدة، أهمها أن الصفقة السابقة أطلقت أسرى كان لهم دور واضح في المقاومة، الأمر الذي كلّف إسرائيل أثماناً أمنية وعسكرية في ضوء سعيها مع السلطة الفلسطينية لإخماد أي تحرك فلسطيني مناهض للاحتلال.

ولعلّ هذا كان السبب الأهمّ في تعطل جولات المفاوضات التي توسطت فيها مصر لإنجاز صفقة جديدة، فقد طالبت حماس بشمول الصفقة قيادات في المقاومة من ذوي الأحكام العالية والذين تصفهم إسرائيل بأن أيديهم "ملطخة بالدماء"، في إشارة إلى تنفيذهم أو إشرافهم على عمليات مقاومة أسفرت عن مقتل إسرائيليين، فضلا عن مطالبتها بإطلاق قيادات فلسطينية من فصائل أخرى مثل الأمين العامّ للجبهة الشعبية أحمد سعدات، والقيادي بحركة فتح مروان البرغوثي.

وتروّج إسرائيل أنها تتفاوض على جندي واحد حيّ فيما الجندي الآخر هو عبارة عن جثة لأنه قُتل قبل أن تأسره حماس، فيما تتهمها أوساط إسرائيلية بأنها تهمل قضية الأسيرين الآخرين لأن الأول بدوي والثاني إثيوبي. ويُعتقد أن حماس بإثارتها قضية الجندي البدوي إنما تحاول استثارة فلسطينيي 48 ضد إسرائيل، وتحفزهم للاندماج مع بقية إخوانهم الفلسطينيين في المقاومة.

ويقف وراء تعطيل الصفقة أسباب أخرى لا تقلّ أهمية عن الأولى، أهمُّها تَخوُّف إسرائيل من تعزيز مكانة حماس في الشارع الفلسطيني إذا تمت الصفقة، وهي المكانة التي تزايدت أصلاً بعد حرب سيف القدس العام الماضي، مقابل التراجع الشديد في مكانة السلطة، بسبب فشلها في تحقيق أي إنجاز سياسي واستمرارها بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، فضلاً عن الفساد المستشري فيها، وهذا ما أظهره آخر استطلاع فلسطيني نفّذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في 22-25 يونيو/حزيران 2022.

صفقة مؤجلة

غير أن رئيس الحكومة الحالية نفتالي بينيت يقف وراء التعطيل التامّ للصفقة المحتملة، ذلك أنه لا يملك إلا تمثيلاً بسيطاً في الكنيست، وسعى إلى إرضاء اليمين المتشدد حتى لا تسقط حكومته الهشة، التي أصبحت الآن على وشك المغادرة بعد حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة قد تعيد نتنياهو إلى سدة الحكم، أو تسفر عن حكومة ثانية مشلولة، الأمر الذي يعني تأجيل إنجاز أي صفقة إلى العام القادم بعد انتهاء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة!

وبعد ذلك، قد تملك صفقة التبادل فرصة جديدة بعودة نتنياهو، شريطة أن يتمكن من تشكيل حكومة مستقرة مع وجود الليكود وليس أي حزب يميني صغير على رأسها.

وتبقى عوائق الصفقة الأساسية موجودة، وسيحتاج إنجازها إلى وقت آخر. إلا أن حماس، بعد التطور الأخير على صحة أحد الأسرى، أرسلت إشارات إلى إمكانية إنجاز صفقة إنسانية جزئية بإطلاق الجندي المريض مقابل إطلاق إسرائيل عدداً من الأسرى المرضى من سجونها. وهذا قد يحمل تحريكاً مؤقتاً للصفقة.

وقد يحمل هذا الملف تطورات جديدة إذا تمكنت المقاومة الفلسطينية في المستقبل من زيادة غلتها من الأسرى، إذ أطلقت تهديدات سابقة للاحتلال بهذا الخصوص.

وفي العموم تظلّ قضية الأسرى مفتوحة بين إسرائيل والمقاومة، ما بقيت إسرائيل واعتداءاتها على الفلسطينيين، وما استمرت المقاومة لها.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً