يعمل المسؤولون الفلسطينيون في مخيم "عين الحلوة" للاجئين جنوبيّ لبنان على إعادة الحياة إلى طبيعتها في "عاصمة الشتات"، بعدما خلّفت اشتباكات دامية بين حركة "فتح" وفصيل إسلامي، أكثر من 32 قتيلاً و150 جريحاً وتسببت بنزوح أكثر من ألفي عائلة إضافةً إلى دمار هائل بالمباني السكنية.
وبدأت هذه الاشتباكات في "عين الحلوة" نهاية يوليو/تموز الماضي، إثر قتل عنصر من الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم شاباً من جماعة إسلامية تُدعى "الشباب المسلم"، على خلفية قضية اغتيال حدثت في مارس/آذار الماضي.
وآنذاك، ارتفعت حدة الاشتباكات بين عناصر من "فتح" و"الشباب المسلم"؛ ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً، بينهم قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا (جنوب)، القيادي في "فتح"، العميد أبو أشرف العرموشي، مع 4 من مرافقيه.
كأنّ إسرائيل مرَّت من المخيم!
تتفقد الحاجة خديجة (70 عاماً) من حي حطين بالمخيم منزلها المدمَّر بالكامل جراء إصابته بالقذائف ورصاص القنص وهي تبكي على الحال التي وصل إليها المخيم.
وقالت: "أنا أعيش في المنزل بمفردي ولا يوجد مسلحون فيه، لماذا كل هذا الحقد بتدميره بالكامل؟".
أما أم كامل (55 عاماً)، فتقف أمام دكانها المدمَّر والمحروق بالكامل وتقول: "إذا كان الهدف تهجيرنا مرة ثانية فلن نترك منازلنا وسنعود ونرممها من جديد".
وأضافت: "البندقية الفلسطينية من هنا من (عين الحلوة) يجب أن تتوجه إلى إسرائيل فقط وليس بين الإخوة.. لا يجوز هذا الدمار كأن إسرائيل مرّت من هنا".
من جهته، قال محمود (35 عاماً)، صاحب محل لبيع المواد الغذائية، للأناضول: لقد "دُمّر مصدر رزقي الوحيد و3 طوابق لي ولإخوتي دُمرت كلياً".
وأضاف: "دكاني هذا كان أكبر متجر لبيع المواد الغذائية والحركة به لم تكن تهدأ؛ أما الآن فدُمر بالكامل وأصبحنا نازحين ودون عمل".
وعن إمكانية إعادة ترميم ما دُمِّر، قال: "لا نستطيع أن نفعل شيئاً إذا لم تتوقف الاشتباكات، وهذا كل ما نملكه. ذهب ولا نستطيع إعادته من دون مساعدة".
إعادة تأهيل ما تهدم
وينتظر الأهالي ممن تهدمت منازلهم وممتلكاتهم إعادة الإعمار لتتسنى لهم العودة إلى المخيم.
ويقول الحاج أبو وائل (68 عاماً) من سكان المخيم: "بعد نجاح وقف إطلاق النار، المرحلة المقبلة تتطلب إعادة ترميم ما تَهدَّم".
ولفت إلى أن "الوضع الإنساني حالياً وصل إلى الحضيض، والسكان يعيشون وضعاً صعباً ومأساوياً للغاية".
وأوضح أن "عدداً قليلاً من أبناء المخيم ممّن نزحوا (إثر الاشتباكات) عادوا، فهناك آلاف المنازل المدمَّرة بشكل كامل".
وأكد أن "عودة الناس إلى منازلهم تتطلب إعادة تأهيل البنى التحتية، حيث لم تعد هناك مياه ولا كهرباء، والمياه الآسنة في الطرقات"، معرباً عن أمله في "زوال خطاب الكراهية بين الناس في المخيم".
2000 منزل مدمَّر
كشف عضو "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" بمنطقة صيدا فؤاد عثمان، عن أن "هناك كمّاً هائلاً من المنازل داخل المخيم مدمَّر ومحروق ومتضرر جزئياً وكلياً قد يصل إلى ما بين 1500 و2000 منزل".
ولفت إلى أن هناك "ما يقارب 2000 عائلة خرجت من المخيم بسبب الاشتباكات خوفاً على أطفالها".
وأشار إلى أن "الخسائر المادية كبيرة جداً ولكن البشرية أهم، إذ فُقد أكثر من 30 شاباً في هذه الاشتباكات".
وقال: "عودة الحياة إلى طبيعتها تطلب إعادة تأهيل المنازل ومعالجة الأوضاع الإنسانية التي تتطلب إعطاء الأمن والأمان لأهلنا وشعبنا حتى يعودوا بشكل كامل الى المخيم".
ويشهد المخيم بعد شهر على توقف الاشتباكات حركةً خفيفةً من السكان الباقين الذين لم تتضرر منازلهم، ونازحين أتوا لتفقد ممتلكاتهم.
ويعدّ مخيم "عين الحلوة" من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، إلى جانب 11 مخيماً آخر، حيث يقدَّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في البلاد بنحو 270 ألفاً.
وانتشرت عناصر القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، الاثنين، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي في مخيم "عين الحلوة" للاجئين جنوب لبنان تنفيذاً لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بين حركة "فتح" وفصائل إسلامية.