ويقف في صدارة هذه الجهود ما يُعرف بـ"الآلية الرباعية" المعنية بالملف السوداني، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، والتي أُعلن عن تشكيلها في سبتمبر/أيلول الماضي لتنسيق المساعي الدبلوماسية الرامية إلى دعم السلام في السودان.
ومن المنتظر أن تعقد الآلية اجتماعات جديدة في نيويورك خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري لمناقشة مستجدات الأزمة وسبل تفعيل مبادرات التهدئة.
في المقابل، تواصل الحكومة السودانية التمسك برؤيتها الخاصة للحل، والمتمثلة في خريطة الطريق التي أعلنها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في فبراير/شباط الماضي، باعتبارها الإطار الوطني الوحيد لتحقيق السلام واستعادة مؤسسات الدولة.
وتتضمن الخطة خطوات انتقال مدني ديمقراطي تبدأ بإطلاق عملية سياسية شاملة لا تُقصي أحداً، وتشكيل حكومة كفاءات مدنية تتولى الإشراف على مرحلة ما بعد الحرب، وصولاً إلى تنظيم انتخابات عامة تُعيد الشرعية عبر صناديق الاقتراع.
وأكد وزير الخارجية محيي الدين سالم أن خريطة الطريق تمثل حجر الأساس لأي عملية سياسية جادة، مشيراً إلى أنها تركز على تعزيز السلام، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب، واستعادة الخدمات الأساسية في قطاعات التعليم والصحة والمواصلات.
تفاوض مشروط
تؤكد الحكومة السودانية استعدادها للدخول في مفاوضات مع قوات الدعم السريع، شريطة أن تحدث وفق خريطة الطريق التي طرحتها في وقت سابق، والتي تنص على انسحاب قوات الدعم السريع من جميع المدن التي تسيطر عليها، وتجميعها في معسكرات محددة بإقليم دارفور، تمهيداً لبحث مستقبلها ضمن عملية سياسية شاملة.
وفي هذا السياق، جدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقائه نظيره السوداني يوم الاثنين تأكيد القاهرة "مواصلة جهودها لتحقيق الاستقرار في السودان الشقيق"، مشيراً إلى انخراط بلاده بشكل فاعل في المساعي الإقليمية الرامية إلى وقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية تخفف من معاناة المدنيين.
وأوضح أن مصر، من خلال مشاركتها في "الآلية الرباعية" إلى جانب السعودية والإمارات والولايات المتحدة، تسعى لدفع مسار التسوية السياسية وإنهاء الحرب الدائرة.
ومنذ اندلاع القتال في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، يعيش السودان واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية، إذ تجاوز عدد القتلى 20 ألف شخص، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما تشير دراسة أعدتها جامعات أمريكية إلى أن العدد قد يصل إلى نحو 130 ألف قتيل. كما اضطر أكثر من 15 مليون شخص إلى النزوح أو اللجوء خارج البلاد.
ورغم تصاعد الدعوات للعودة إلى طاولة الحوار، نفى رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان السبت الماضي وجود أي مفاوضات جارية، مؤكداً أن "الجيش مستعد للتفاوض فقط بما يضمن وحدة السودان وكرامته".
وأضاف: "لا تفاوض مع أي جهة كانت، سواء كانت الآلية الرباعية أو غيرها. نرحب بمن يسعى للسلام الصادق، لكننا لن نقبل بفرض حلول أو حكومات على الشعب السوداني".
ويرى خبراء أن خطاب البرهان الأخير، الذي يجمع بين رفض المساومات السياسية والانفتاح المشروط على الحوار، يعكس محاولة لإيجاد توازن بين تعزيز شرعية الجيش داخلياً والحفاظ على خطوط التواصل مع المجتمع الدولي الذي يملك أدوات ضغط ومساندة لا يمكن تجاهلها.
وفي تطور لافت، أعلنت قوى سياسية ومدنية في 18 أكتوبر/تشرين الأول اتفاقها على رؤية وطنية موحدة للسلام والتحول الديمقراطي، تمهيداً لإطلاق حوار وطني شامل داخل السودان بمشاركة جميع القوى الوطنية دون استثناء.
وتوافق المجتمعون على تشكيل لجنة وطنية مستقلة لإدارة الحوار بعيداً عن التدخلات الخارجية.
وتضم هذه القوى أطرافاً وقّعت سابقاً على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، من بينها تنسيقية القوى الوطنية والكتلة الديمقراطية وحزب المؤتمر الشعبي، إلى جانب حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، ما يمنح المبادرة زخماً سياسياً واسعاً قد يشكل فرصة حقيقية لإنهاء الحرب إذا توافرت الإرادة الداخلية والدعم الإقليمي المتوازن.
ويرى المحلل السياسي عثمان فضل الله أن "تجدد الحديث عن السلام في هذا المنعطف الحرج يعكس إدراكاً متزايداً بأن الحل السياسي هو المخرج الأكثر توازناً وقدرة على انتشال البلاد من دوامة الحرب المدمّرة".
ويضيف في حديثه أن "نغمة السلام أصبحت الأعلى حضوراً في الخطاب السوداني، داخلياً وخارجياً، إذ تسللت لغة الهدنة والمصالحة إلى النقاشات الرسمية وغير الرسمية، لتتحول إلى محور اهتمام المرحلة".
وأشار إلى أن الأنباء الواردة من عواصم إقليمية ودولية "تفيد بوجود محادثات جادة بدأت تُثمر عن تفاهمات أولية لوقف إنساني لإطلاق النار"، مؤكدًا أن هذه الخطوة "قد لا تُنهي الحرب فوراً لكنها تفتح نافذة أمل نحو وقف شامل يُعيد إلى البلاد أنفاسها".
والخميس، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط مسعد بولس في القاهرة لبحث سبل إنهاء الحرب في السودان وتقوية المساعي الإقليمية لتحقيق السلام.
وفي 12 سبتمبر/أيلول الماضي، دعت أطراف الآلية الرباعية إلى هدنة إنسانية لـ3 أشهر في السودان، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار.
يلي ذلك إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبّي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة.
وتتصاعد الدعوات لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.