بمناسبة مرور عامين على تعيينه، أشار إلى أن التعاون القائم بين البلدين يتجاوز المجال السياسي ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مؤكّداً أن هذه الروابط تسير نحو مستقبل أكثر متانة وتكاملاً.
وتوقف السفير عند تجربته الشخصية في الجزائر، موضحاً أنه كان مطّلعاً على تاريخها وواقعها قبل وصوله، غير أن المعايشة المباشرة أبرزت له أبعاداً أعمق يصعب إدراكها بالقراءة وحدها، حيث لمس عن قرب تنوعاً جغرافياً ومناخياً وثقافياً ثرياً.
وأضاف أن الجزائر، بمساحتها الشاسعة التي تتجاوز 2.4 مليون كيلومتر مربع، تشكّل لوحة غنية بالإمكانات والقصص، لكن صورة البلاد لدى كثير من الأتراك لا تزال محصورة في العاصمة والساحل، رغم أن كل منطقة تحتضن خصوصية وهوية مميزة.
قواسم مشتركة
أشاد السفير التركي بما وصفه بـ"التشابه الكبير" بين الشعبين التركي والجزائري، مؤكداً أن كليهما يتميز بالفخر والحرية والصدق، وأنهما قدّما نموذجاً استثنائياً في العالم الإسلامي لشعوب ناضلت ضد الاستعمار وانتزعت استقلالها.
وأشار إلى أن الجزائريين، مثل الأتراك، دافعوا بشجاعة عن وطنهم في مواجهة الاحتلال الفرنسي حتى تحقق النصر، معتبراً أن اعتزازهم الوطني مستحق.
كما تطرق إلى أحداث "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي، موضحاً أن موجة الإرهاب آنذاك كبّدت الجزائر خسائر جسيمة، غير أن الشعب استطاع تجاوز المحنة بالتعاون مع دولته.
وفي سياق آخر، أبرز السفير التركي ثراء التنوع الثقافي في الجزائر بعد زيارته 25 ولاية من أصل 58، مبيناً أن لكل منطقة تقاليدها ومطابخها وأزياءها الخاصة، مع قاسم مشترك يتمثل في كرم الضيافة.
واستعرض أمثلة من الشرق الجزائري مثل قسنطينة وبسكرة وعنابة، ومن الغرب مثل تلمسان ووهران، وصولاً إلى عمق الصحراء في أدرار وغرداية وتمنراست.
كما توقف عند التشابه الكبير بين المطبخين الجزائري والتركي، لافتاً إلى أطباق جزائرية أصيلة كالكسكسي والمشوي والمردوم، وأخرى تحمل أسماء مألوفة في تركيا مثل البورك والبقلاوة والدولما والشكشوكة.
وأضاف أن هذا التشابه يتجلى أيضاً في الأزياء والحرف التقليدية، مشيراً إلى القفطان الجزائري المشابه لنظيره التركي، فضلاً عن النقوش النحاسية وأساليب الزخرفة التي يجد فيها كثير من الأتراك ملامح مألوفة من تراث الأناضول.
في حديثه عن العمارة، قال: "عندما تسير في أزقة القصبة تشعر كأنك تتجول في أحياء منطقة سليمانية أو الفاتح" بمدينة إسطنبول، مبيناً أن "الفارق الوحيد أنه هنا، إلى جانب الإرث العثماني، تتنفس أيضاً عبق الأندلس".
وتابع: "فبعد أن حرر خير الدين بربروس الجزائر من الإسبان، ضمّ إليها أهل الأندلس وتجربتهم الإدارية، وهو ما شكّل هذا المزيج الثقافي الفريد".
كما أن "ما بين 5 في المئة و20 في المئة من سكان الجزائر يُقدّر أنهم من أصول تركية"، بحسب كوتشوك يلماز.
وأردف: "يمكن التعرف على هذه العائلات من خلال ألقابها مثل صاري وقره وباروتجي وتلجي. بعضهم جاء مباشرة من الأناضول، والبعض الآخر ينحدر من عائلات قول أوغلو (الكراغلة) أحفاد الانكشارية".
ولفت إلى أن القائد أحمد باي، المعروف بدوره في مقاومة الاحتلال الفرنسي، كان أيضاً من أبناء قول أوغلو.
وشدد يلماز على أن القضية الفلسطينية تمثل الركيزة الأبرز للتوافق بين أنقرة والجزائر، مشيراً إلى أن البلدين يتقاسمان مبادئ متقاربة في السياسة الخارجية تقوم على رفض التدخل في شؤون الدول، ومناهضة الاستعمار، والسعي إلى حلول داخلية للأزمات الإقليمية.
ولفت إلى أن الجزائر كانت من أوائل الداعمين لفلسطين، إذ استضافت إعلان قيام الدولة عام 1988، وتواصل اليوم وقوفها إلى جانب تركيا في مواجهة ما وصفه بـ"الإبادة" في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الأولويات
وحول أولويات التعاون الثنائي، أوضح كوتشوك يلماز أن تنشيط حركة التنقل يمثل أحد أبرز الملفات، إذ ارتفع عدد الرحلات الجوية بين البلدين من 35 إلى 80 أسبوعياً، مع دخول شركتَي بيغاسوس وأجيت، مما انعكس على خفض أسعار التذاكر.
وأضاف أن قطاع التعليم يشكل استثماراً استراتيجياً، إذ حصل 79 طالباً جزائرياً هذا العام على منح دراسية في تركيا، إلى جانب ابتعاث الرئاسة الجزائرية 200 طالب متفوق.
وأشار السفير إلى أن الاستثمارات التركية في الجزائر بلغت 7.7 مليار دولار عبر نحو 1600 شركة، فيما تجاوز حجم التبادل التجاري 6.5 مليار دولار مع هدف الوصول إلى 10 مليارات.
ولفت إلى توسع المؤسسات التركية الثقافية والتعليمية مثل مدارس معارف ومعهد يونس إمره، فضلاً عن مشاريع وكالة التعاون (تيكا) التي أنجزت 26 مشروعاً في 15 ولاية عام 2024.
كما أعلن عن افتتاح بنك الزراعة التركي فرعه الأول مطلع 2025، إلى جانب قنصلية عامة جديدة في وهران، وبناء مبنى جديد للسفارة. وختم بالتأكيد أن هذه الجهود تمثل امتداداً لإرث تاريخي يمتد إلى أكثر من ثلاثة قرون، وتتجه بالعلاقات نحو مستقبل أكثر متانة وازدهاراً.