ووفق ما كشفه تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية وتقارير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن هذا الاستهداف لم يكُن عشوائياً، بل جاء في سياق سياسة ابتزاز منظمة تمارسها إسرائيل ضد العائلات الفلسطينية، من خلال تقديم عروض مالية وعسكرية لتشكيل مليشيات محلية تقاتل حماس، مقابل البقاء في مناطقها أو الحصول على بعض المساعدات الأساسية.
وبحسب تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط"، نشرته السبت، عرض جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) على عائلتَي دغمش وبكر دعماً ماليّاً وعسكريّاً مقابل المشاركة في قتال حماس وتقديم معلومات أمنية لإسرائيل، في إطار خطة تهدف إلى تقسيم غزة إلى مناطق تُديرها عشائر أو مجموعات محلية مسلحة، بما يمنع إقامة سلطة فلسطينية مستقبلية لإدارة القطاع.
وأضاف التقرير أن رفض الوجهاء التعاون قوبل بردّ عسكري، إذ شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات على منازل العائلات المستهدفة.
وذكرت الصحيفة أن 30 شخصاً من أبناء عائلة دغمش، استُشهدوا في قصف استهدف حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، فيما لا يزال 20 آخرون تحت الأنقاض.
كما استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلاً لعائلة بكر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد ستة أشخاص وإصابة 11 آخرين.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحاولة ليست الأولى من نوعها، إذ ناقشت إسرائيل خلال الأشهر الأولى من الحرب إمكانية تسليح بعض العشائر ضمن خطة "الفقاعات الإنسانية" التي طرحها وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت، غير أن حماس أفشلت تلك الجهود عبر تصفية شخصيات محلية حاولت تل أبيب دعمها.
وأكد أحد وجهاء عائلة بكر للصحيفة أن المخابرات الإسرائيلية تواصلت مع مختار ووجهاء العائلة وطالبتهم بتشكيل مجموعة مسلحة لإدارة منطقة مخيم الشاطئ (شمال غرب) بعد "تطهيرها" من عناصر حركة حماس، مشدّداً على أن العائلة رفضت هذا العرض قطعاً.
وقال المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، إن العائلة أدركت منذ لحظة الاتصال أنها ستتعرض لعمليات انتقام، وهو ما يحدث بالفعل حاليّاً.
وأضاف أن وجهاء العائلة عقدوا فورا جلسة مع أبنائها، وطالبوهم بمغادرة المنطقة خصوصا النساء والأطفال، ودفعهم إلى النزوح نحو جنوب القطاع.
وأوضح المصدر أن موقف العائلة جاء من منطلق وطني يرفض التعاون مع إسرائيل بأي شكل، مؤكدا أنه لا يستهدف دعم حماس أو أي فصيل آخر، بل حماية النسيج الوطني والاجتماعي من محاولات الاختراق الإسرائيلي.
وتُعَدّ عائلتا بكر ودغمش من أبرز وأكبر العائلات في غزة.
والسبت قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن "إسرائيل تنتهج سياسة ابتزاز خطيرة بحق عائلات في قطاع غزة، بوضعها أمام خيارين كارثيين لا ثالث لهما: إما التعاون مع قوات الجيش الإسرائيلي ومليشياتها، وإما مواجهة القتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري، في نمط إبادي متصاعد انتقل من ابتزاز فردي إلى جماعي".
وأضاف المرصد أن هذه السياسة "تستهدف تفكيك نسيج المجتمع الفلسطيني، عبر إجبار الأفراد على خيانة مجتمعهم وتدمير الروابط الاجتماعية، وإخضاع الناجين لشروط بقاء تحطّم هوية الجماعة وقدرتها على الاستمرار".
وأوضح أن المرصد تَلقَّى شهادات تُفيد بأن عائلات فلسطينية أُجبِرَت على الاختيار بين البقاء تحت القصف بلا مأوى أو غذاء، والنزوح القسري تحت تهديد مباشر بالقتل، في سياسة تهدف إلى تحطيم إرادة المدنيين عبر الخوف والدمار.
وأفادت شهادات بأن عائلات فلسطينية تعرضت لضغوط للتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي مقابل البقاء في مناطقها أو الحصول على المساعدات، في ممارسة حوّلت الإغاثة إلى أداة ابتزاز ووسيلة للسيطرة.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومه على مدينة غزة منذ 11 أغسطس/آب الماضي، في عملية أطلق عليها لاحقاً اسم "عربات جدعون 2"، تَخلَّلها نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري، وتوغل بري.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة بغزة خلّفت 66 ألفاً و5 شهداء و168 ألفاً و162 مصاباً معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 442 فلسطينياً بينهم 147 طفلاً.