ونقلت صحيفة الشرق الأوسط السبت، عن مصادرها أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) عرض على عائلتي دغمش وبكر دعماً مالياً وعسكرياً مقابل الانخراط في قتال حماس، في إطار خطة تهدف إلى تقسيم غزة إلى مناطق تدار بواسطة عشائر أو مجموعات محلية مسلحة، حسب ما ورد في التقرير.
وأوضح التقرير أن رفض الوجهاء التعاون قوبل بردٍّ عسكري، إذ شنّت قوات الاحتلال غارات استهدفت منازل العائلتين.
وأضافت الصحيفة أن قصفاً استهدف حيّ الصبرة جنوبي مدينة غزة أسفر عن استشهاد نحو 30 شخصاً من أبناء عائلة دغمش، ولا يزال 20 آخرون تحت الأنقاض، حسب ما نقل تقريرها.
من جهته، وثّق المواطن الفلسطيني معتصم بكر، أحد أفراد عائلة بكر التي عرض الاحتلال عليها البقاء مقابل التعاون، تجربة عائلته عبر منشور على صفحته في فيسبوك، حيث قال إن "مختار العائلة غادر بعدما طُلب منه البقاء مع ضمان الأمان بشرط أن يعمل أبناء العائلة كمليشيا على غرار 'أبو شباب' ويلتزموا سياسة الجيش".
وأضاف أن المختار رفض ذلك وفضلت العائلة الرحيل والابتعاد، معبّرة عن رفضها أن يُسجّل في تاريخها أنها سارت "في درب الخيانة".
وأشار لاحقاً أن مربع العائلة في مخيم الشاطئ غربي غزة بدأ يتعرض لقصف مستمر.
وحسب تقديرات وزارة الصحة في غزة التي استشهدت بها التقارير، أدّى هذا القصف إلى استشهاد ستة أشخاص وإصابة 11 آخرين في الحوادث المرتبطة بموقع العائلة المذكور، وفق البيانات الرسمية.
وليس ذلك سابقة، فقد ناقشت إسرائيل في الأشهر الأولى من الحرب إمكانية تسليح بعض العشائر ضمن ما عُرف آنذاك بمقترح "الفقاعات الإنسانية" الذي طرحه وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت، غير أن حركة حماس أفشلت تلك الجهود عبر استهداف وتصفية شخصيات محلية حاولت تلقي الدعم من تل أبيب.
من جانبها، أكدت حماس مراراً أن العائلات والعشائر الفلسطينية شكلت "سداً منيعاً" أمام محاولات إسرائيل نشر الفوضى وتقويض تماسك الجبهة الداخلية في القطاع.
وقالت الحركة إن الموقف الشعبي الرافض لمشروعات التهجير و"الفقاعات الأمنية" التي طرحتها إسرائيل، إلى جانب الوقوف في وجه أعمال "النهب والفوضى"، يعد مظهراً بارزاً لوحدة الجبهة الداخلية وصمودها أمام ما وصفته بـ"مؤامرة خبيثة" استهدفت القطاع من داخله بعد فشل العدو في كسره ميدانياً.
وفي سياق موازٍ، أفادت صحيفة التلغراف البريطانية في يونيو/حزيران 2024 بأن إسرائيل حاولت سابقاً تشجيع عائلة دغمش على تولّي قيادة محلية بديلة عن حماس، لكن المحاولة باءت بالفشل، حسب تقريرها.
"سياسة ابتزاز"
وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السبت، بأن إسرائيل تتبع سياسة ابتزاز ممنهجة تستهدف عائلات في قطاع غزة، بوضعها أمام خيارين كارثيين: إما التعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ومليشيات محلية، وإما مواجهة القتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري.
وقال المرصد إن هذه الممارسات تحولت من ابتزازٍ فردي إلى سياسة جماعية تهدف إلى تفكيك نسيج المجتمع الفلسطيني، وإرغام الأفراد على خيانة مجتمعهم، ما يؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية وإخضاع الناجين لشروط بقاء تقوّض هوية الجماعة وقدرتها على الاستمرار.
وأوضح المرصد أنه تلقى شهادات تفيد بأن عائلات فلسطينية وُضعت بين البقاء تحت القصف بلا مأوى أو غذاء، أو النزوح القسري تحت تهديد القتل المباشر، في نمط يستهدف تحطيم إرادة المدنيين عبر الخوف والخراب.
وأضافت الشهادات أن إغاثة المدنيين تحولت إلى أداة ابتزاز تُشترط بها مساهمة بعض الأسر في تعاون أمني أو تشكيل مليشيات محلية مقابل البقاء أو الحصول على مساعدات.
وذكر المرصد أنه تلقى معلومات من مصادر داخل عائلتي الديري ودغمش تفيد بتعرضهما لعروض مماثلة للانخراط في مليشيات محلية، وأن رفضهما قابله تصعيد عسكري في حيّ الصبرة، شمل تفجير عربات مفخخة يتبعه قصف واسع استهدف منازل عدة، بينها مربع سكني لعائلة دغمش، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 60 من أفرادها، وما يزال كثيرون منهم تحت الأنقاض.
تلك الاتهامات، إن صحت رواياتها، تسلّط ضوءاً على بعدٍ جديد من ضغوط الحرب يؤثر في التركيب الاجتماعي للقطاع، ويطرح تساؤلات حادّة حول استخدام المساعدات وسبل حماية المدنيين في سياق حرب تتسم بالعنف المنهجي وتصاعد محاولات التفتيت الاجتماعي.
وخلال الأشهر الماضية من حرب الإبادة، حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر أطراف ومؤسسات دولية إيجاد بدائل للحكومة التي تقودها حماس، في غزة، من خلال تشكيل هيئات مدنية عشائرية شبيهة بروابط القرى، لكن هذه المحاولات قوبلت برفض واسع من العائلات الفلسطينية.
وروابط القُرى تشكيلات إدارية أنشأتها إسرائيل في 1978، وحاولت من خلالها خلق قيادة بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تكون قادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ خُطة الإدارة المدنية الإسرائيلية، ولكن لم تنجح تل أبيب في خطتها آنذاك.
وفي 8 أغسطس/آب الماضي، صدّق المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر على خطة احتلال مدينة غزة، وشن جيش الاحتلال هجوماً واسع النطاق لاحتلال المدينة في الـ11 من الشهر نفسه.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومه على مدينة غزة، منذ 11 أغسطس/آب الماضي، في عملية أطلق عليها لاحقاً اسم "عربات جدعون 2"، وتخللها نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري، وتوغل بري.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلّفت 66 ألفاً و5 شهداء، و168 ألفاً و162 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 442 فلسطينياً بينهم 147 طفلاً.