ونقلت مجلة الإيكونومست في تقرير حديث، عن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية بين عامَي 2019 و2023، قوله إنّ حاملات الطائرات قد تصبح عديمة الفائدة خلال عشرين عاماً، معتبراً أنها عاشت أفضل أيامها في معركة ميدواي.
فيما ذكرت المجلة البريطانية أن بحريات العالم لا تتفق مع هذا التقدير، إذ تواصل دول مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند تصميم وبناء حاملات جديدة.
ولضمان استمرار ملاءمتها لساحة القتال المعاصرة، تُعيد هذه الدول تشكيل أجنحة الطيران المحمولة على الحاملات عبر الاستبدال بالطائرات المأهولة تدريجياً منصات مسيّرة يمكن تطويرها بوتيرة أسرع، واستخدامها بطرق أكثر جرأة، والطيران بها لمسافات أبعد من المقاتلات قصيرة المدى الحالية، وهو تحوّل قد يُعيد تشكيل تكتيكات القتال البحرية وثقافة الأساطيل.
وأوضحت المجلة الاقتصادية أن البحرية الأمريكية منحت في أغسطس/آب الماضي أربع شركات دفاعية كبرى عقوداً لتصميم مسيّرات قتالية ثقيلة تُعرف باسم الأجنحة الوفية (Loyal Wingmen) لمرافقة المقاتلات المأهولة من فوق أسطح الحاملات.
توجُّه عالمي
بدأ التوجه نحو تشغيل حاملات مخصّصة للمسيّرات يتبلور لدى عدد من الدول، فتركيا شرعت في تشغيل الحاملة أناضولو، وطوّرت كوريا الجنوبية منصة بحرية تُسمى دوكدو.
كما أعلنت فرنسا عن خطط لنشر مسيّرات خفيفة من فوق متن حاملة مستقبلية بحلول 2038، يتبعها نشر مسيّرات مسلحة أكبر بحلول 2040.
وفي المقابل، دشّنت الصين العام الماضي فئة السفن البرمائية Type 076 الأضخم عالمياًً، والمزوّدة بمنجنيق يتيح إطلاق مسيّرات كبيرة، وبعض هذه المسيّرات عُرض خلال استعراض عسكري في 3 سبتمبر/أيلول.
وأعلن قائد البحرية البريطانية الجديد، الجنرال السير غوين جنكنز، أن الحكومة أوكلت إليه نشر جناح جوي "هجين" يجمع بين مقاتلات مأهولة ومسيّرات خلال خمس سنوات، مشيراً إلى أن الهدف هو أن يصبح هذا الجناح الجوي خاليًا من الطيارين بحلول عام 2040، باستثناء مقاتلات F-35 والمروحيات المخصصة للنقل، وأن تتولى المسيّرات مهام الإنذار الجوي المبكر، والتزود بالوقود في الجو، ومكافحة الغواصات، وربما بعض مهام الضرب.
وأوضحت المجلة أن قرار إخراج البشر من قمرة القيادة يقوم على ثلاثة دوافع رئيسية: الأول يكمن في إسناد المهام الروتينية إلى المسيّرات لتفريغ الطائرات المأهولة للمهام الأهمّ، والثاني يسمح للمسيّرات بتحمّل المخاطر والخسائر في زمن الحرب لكونها أقل تكلفة وأسهل استبدالًا، والثالث يتعلق بمرونة التصميم التي تتيح تحديث البرمجيات والأجهزة بسرعة، كما تسمح بالاستبدال بأنظمة دعم الطيار وقوداً إضافياً لتمديد المدى.
المقاتلات المسيرة
المرونة التصميمية للمسيّرات تعني خضوعها لمتطلبات سلامة أقل تعقيداً مقارنة بالمنصات المأهولة، ما يسهل تحديث برمجياتها وأجهزتها باستمرار، وتضيف الايكونوميست أن غياب وزن الطيار وأنظمة دعمه مثل مقعد القذف يتيح الاستبدال بهذه الكتلة وقوداً إضافياً يُطيل المدى، ولذلك يُعَدّ تصميم منظومة غير مأهولة من الألف إلى الياء أكثر كفاءة من تحويل طائرة مأهولة إلى نسخة مسيّرة.
وأفادت الإيكونومست بأن الهدف الأساسي من مجموعة الحاملة الضاربة هو تنفيذ الضربات والهجوم، وأن السؤال المركزي الآن هو مدى قدرة المسيّرات على تولي هذه المهمة.
فقد ركّزت التجارب حتى الآن على الاستطلاع واللوجستيات ومكافحة الغواصات، فيما دعا الأدميرال الأمريكي المتقاعد مارك مونتغمري البحريات إلى مخاطرة أكبر عبر نشر مسيّرات شبحية بعيدة المدى قادرة على إطلاق صواريخ لمسافات تفوق بكثير مدى مقاتلات F-35B.
كما تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا على تطوير منصات متقدمة تُعرف بالطائرات القتالية التعاونية (CCA) والمنصات التعاونية المستقلة (ACP)، بتكاليف قد تصل إلى 20–30 مليون دولار للوحدة، وفق المجلة.
وأوضحت المجلة أن الجنرال جنكنز يتوقع أن ترافق هذه الأجنحة الوفية كل مقاتلة F-35 في البحر، لتجمع المعلومات وتعمل كطُعم لصواريخ العدوّ وتحمل ذخائر، في محاولةٍ لتمديد مدى الطائرات المأهولة مئات الأميال داخل الأجواء المعادية في المراحل الأولى لأي صراع محتمل، وربما لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي الروسية أو الصينية.
وأفادت الإيكونومست أن هذا التوجّه يطرح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين السفن والطائرات ومفهوم القوة النارية، ونقلت عن جنكنز تساؤله: "لماذا نضع هذه الأسلحة بعيدة المدى على متن الحاملات أصلاً؟"، مشيراً إلى تنامي التهديدات، كما تجلّت في هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، فالمعارضون يدعون إلى التخلي عن الحاملات فيما يعتبر مؤيدوها أنها مدارج متنقلة أكثر قدرة على النجاة مقارنة بالقواعد الجوية البرية.
ثمّة إجماع على حاجة السفن إلى تعزيز ذخائر الدفاع الجوي والأسلحة الهجومية، غير أن بناء سفن عملاقة ليس حلاً عملياً، وفقاً لجنكنز، وأن النهج الأفضل هو توزيع القوة على وحدات متعددة، مستفيداً من تجربة أوكرانيا التي شجّعت بريطانيا على تطوير أسطول يعتمد بدرجة أكبر على المنصات المسيّرة.
وأوضحت المجلة أن التوقعات تشير إلى أن كل مدمرة أو فرقاطة قد تحمل مستقبلاً مسيّرتين مرافقين على الأقل، وهو نهج يوزع القوة بدلًا من تركيزها في الحاملات.
واستشهدت بتجربة أوكرانيا، حيث استخدمت قوارب مسيّرة سريعة من طراز Magura V7 مُسلّحة بصواريخ سايدويندر لإسقاط مقاتلات روسية، ما يبيّن أن الأجنحة الجوية الهجينة قد تغيّر، ليس العتاد فحسب، بل أيضاً تكتيكات وتنظيم القوات البحرية.
وأفادت الإيكونومست أن بعض البحريات أكثر استعداداً لتبنّي هذه التكنولوجيات من غيرها، لافتة إلى أن الولايات المتحدة، التي اختبرت المسيّرات البحرية لسنوات، ستشرع هذا العام في تجارب الطيران للمسيّرة MQ-25 Stingray المخصّصة للتزود بالوقود، على أن تدخل الخدمة العام المقبل فوق الحاملات، ما سيمكن مقاتلات F/A-18 من التفرّغ لمهام قتالية بدلاً من الانشغال بعمليات التزود بالوقود.
وذكرت المجلة البريطانية أنه رغم احتمال تزويد هذه المنصات بالوقود وتسليحها لاحقاً، فإن البحرية الأمريكية لا تزال مترددة في تسليح بعضها، إذ يهيمن الطيارون المقاتلون على عملية اتخاذ القرار.
كما يبقى تحدّي الحرب الإلكترونية ومخاطر فقدان الشبكات عائقاً أساسياً يتطلّب رفع مستويات المعالجة الذاتية والقدرات التشغيلية للمسيّرات، لأن تعطل الاتصالات قد يدفع المنصة إلى إلغاء المهمة أو العمل باستقلالية، وهو ما يعقّد الاعتماد الكامل عليها في مهام قتالية.