بعد استهداف الدوحة.. كيف تغيّرت ملامح الاغتيالات الإسرائيلية؟
الحرب على غزة
6 دقيقة قراءة
بعد استهداف الدوحة.. كيف تغيّرت ملامح الاغتيالات الإسرائيلية؟منذ السابع من أكتوبر، اتسعت سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لتطال قيادات المقاومة الفلسطينية داخل غزة وخارجها، وصولاً إلى محاولة استهداف قيادة حركة حماس ووفدها التفاوضي في الدوحة.
منذ تأسيسها، اعتمدت دولة الاحتلال على الاغتيال كأداة مركزية لتصفية القادة والنشطاء الفلسطينيين، وتطورت هذه السياسة لتشمل القادة السياسيين والعسكريين / Reuters
منذ 6 ساعات

الهدف من هذه العمليات لم يكن فقط تصفية شخصيات قيادية، بل كسر إرادة المقاومة الفلسطينية وتهيئة الأرضية لتمرير المشاريع الصهيونية وخطط الاحتلال، وفرض معادلات ميدانية وسياسية تمتد آثارها إلى مجمل الشرق الأوسط.

وخلال هذه الفترة، اغتالت إسرائيل شخصيات بارزة مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وصالح العاروري نائب رئيس الحركة، وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، إضافة إلى عدد من وزراء حكومة الحوثيين في اليمن، وعشرات القيادات السياسية والعسكرية في غزة. وتشير تقديرات مختلفة إلى أن مجمل عمليات الاغتيال تجاوزت 60 عملية، رغم غياب إحصاءات دقيقة وموثقة.

وفي 9 سبتمبر/أيلول، نقلت إسرائيل هذه السياسة إلى مستوى غير مسبوق بمحاولة اغتيال في قلب العاصمة القطرية الدوحة، عبر استهداف مقر إقامة وفد حماس المفاوض برئاسة خليل الحية خلال اجتماع مخصص لمناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار.

حمل هذا الاستهداف دلالات جديدة، إذ وسّع نطاق الاغتيالات إلى دولة حليفة لواشنطن ومرتبطة بالمنظومة الأمنية الخليجية، وجاء مصحوباً بإعلان إسرائيلي صريح بالمسؤولية، على خلاف محاولات سابقة كانت تُنفّذ في الغالب بإنكار رسمي. 

وبذلك سعت إسرائيل إلى توجيه رسالة ردع لدول المنطقة بأسرها، كما كشف الاستهداف للفريق التفاوضي أن حكومة نتنياهو هي الطرف المعرقل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وليس المقاومة الفلسطينية.

الجذور التاريخية للاغتيالات

تشكّل سياسة الاغتيالات الإسرائيلية ضد القيادات الفلسطينية، وصولاً إلى محاولة استهداف وفد حماس التفاوضي في الدوحة، امتداداً لمسار طويل من الاغتيالات التي رافقت تاريخ الحركة الصهيونية منذ عام 1948.

فبحسب دراسة للكاتب الإسرائيلي رونين برغمان، نفّذت إسرائيل بين عامَي 1948 و2019 أكثر من 2700 عملية اغتيال، أي بمعدل 38 عملية سنوياً على مدى 71 عاماً.

ومنذ تأسيسها، اعتمدت دولة الاحتلال على الاغتيال باعتباره أداة مركزية لتصفية القادة والنشطاء الفلسطينيين، وتطورت هذه السياسة لتشمل القادة السياسيين والعسكريين، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن "الاغتيالات قادرة على تغيير مسار التاريخ".

 وهكذا تحولت إلى نهج ثابت لدى الحكومات الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية، دون اكتراث يُذكر لتبعاتها، سواء نُفّذت داخل فلسطين أو خارجها، إذ كانت إسرائيل تراهن دائماً على الإفلات من المحاسبة رغم التعقيدات الأمنية في الخارج.

وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى ما قبل قيام الدولة العبرية، نجد أن العصابات الصهيونية مثل الهاغاناه والإرغون وشتيرن/ليحي لم تمارس العنف ضد الفلسطينيين فقط، بل استهدفت أيضاً البريطانيين في فلسطين وخارجها خلال فترة الانتداب. فقد اغتالت منظمة ليحي في نوفمبر/تشرين الثاني 1944 اللورد موين، أعلى ممثل للحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، بتحريض من إسحاق شامير الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء إسرائيل، بعدما عارض موين المشروع الصهيوني ودعم فكرة اتحاد عربي في المنطقة. وبعد عامين، فجّر مناحيم بيغن فندق الملك داوود بالقدس الذي كان مقراً لإدارة الانتداب البريطاني، ما أسفر عن مقتل 91 شخصاً، بينهم 28 بريطانياً و41 فلسطينياً.

ويشير المؤرخ ماهر الشريف في كتابه “جذور الإرهاب الصهيوني” إلى أن منظمة ليحي اشتهرت باستخدام الاغتيال باعتباره أداة أساسية، إذ نفّذت قبل عام 1948 أكثر من 42 عملية اغتيال، أي ضعف ما نفذته الإرغون والهاغاناه مجتمعتين.

فقد حاولت المنظمة في أغسطس/آب 1944 اغتيال المندوب السامي البريطاني هارولد ماكمايكل، وفي أكتوبر/تشرين الأول 1946 فجّرت السفارة البريطانية في روما. كما اغتالت في سبتمبر/أيلول 1948 الكونت السويدي فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، الذي سعى إلى تعديل خطة التقسيم وإيجاد تسوية بين العرب واليهود.

بهذا المعنى، فإن سلوك نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ليس جديداً، بل هو امتداد لجذور راسخة من الإرهاب السياسي والمجازر التي ارتكبها أسلافهم. 

وقد بُنيت الأحزاب الإسرائيلية "الديمقراطية" الحديثة على أساس تلك العصابات، إذ تأسس حزب الليكود نفسه على أيدي قادة بارزين في الإرغون وليحي.

دلالات سياسية لمحاولة الاغتيال في الدوحة

بينما تفشل الحكومة الإسرائيلية في تحقيق حسم عسكري أو نصر سياسي في غزة، وجدت نفسها أمام حرج كبير بعد موافقة حركة حماس على مقترح ويتكوف، الذي وضع إسرائيل في مأزق داخلي وخارجي.

 وللهروب من هذا الضغط، اختار نتنياهو تصعيد سياسة الاغتيالات، مستهدفاً قيادة حماس التي حافظت على موقف تفاوضي ثابت ومرن في الوقت ذاته.

وفي إطار سعيها لاستعادة قوة الردع المفقودة منذ السابع من أكتوبر، باتت إسرائيل تقدم نفسها كدولة لا تعرف الخطوط الحمراء، تبرر لنفسها استهداف من تشاء متى تشاء، مستفيدة من الغطاء المفتوح الذي توفره إدارة ترمب. 

لكن قصف الدوحة، البلد الوسيط، واستهداف وفد تفاوضي، حمل تداعيات استثنائية؛ فإضافة إلى فشل العملية نفسها، مثّل ذلك انتهاكاً صارخاً لقاعدة إنسانية وأعراف راسخة تمنح الوسيط والمفاوض حصانة خاصة، ما جعل الفعل الإسرائيلي مستهجَناً على نطاق عالمي واسع.

هذا الانتهاك لسيادة قطر فتح الباب أمام إعادة النقاش حول قضايا استراتيجية عديدة، منها حدود السلوك الإسرائيلي، ومتانة تحالف الولايات المتحدة مع شركائها، ومستقبل أمن الخليج، وحصانة الدول الوسيطة في النزاعات.

كما أثار الحدث غضباً قطرياً أدى إلى انعقاد جلسة لمجلس الأمن انتهت بإدانة القصف، فيما يجري التحضير لقمة عربية يُنتظر أن تذهب قراراتها إلى ما يتجاوز بيانات الاستنكار التقليدية.

في الوقت ذاته، ظهرت مؤشرات مبكرة على إعادة تقييم مسار التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل بعد استهداف الدوحة، خصوصاً أن قطر جزء أساسي من المنظومة الخليجية، ما يفرض استحقاقاً لبلورة موقف خليجي موحد داعم لها ضد الاعتداء الإسرائيلي، وهو ما ستكون له انعكاسات مباشرة على العلاقات الخليجية-الإسرائيلية.

أما داخل إسرائيل نفسها، فقد وجدت الحكومة نفسها أمام فشل جديد، إذ لم تحقق العملية أهدافها، وخلّفت انقساماً داخل المؤسسات الأمنية حول جدواها وتداعياتها، خصوصاً على ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة.

انعكاسات الاغتيالات على المقاومة الفلسطينية

اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهما من قادة المقاومة الفلسطينية، وخلال العدوان الحالي واصلت سياسة التصفية باستهداف عدد من قيادات حماس السياسية والعسكرية.

غير أن النتائج جاءت في معظم الأحيان بعكس ما خططت له، إذ لم تؤدِّ الاغتيالات إلى انهيار الهيكلية القيادية للمقاومة، ولا إلى تعطيل منظومة القيادة والسيطرة أو آليات اتخاذ القرار، ولم تغيّر خطها السياسي، بل على العكس، عززت هذه المحاولات حضور المقاومة وشعبيتها، وأكدت ثباتها على مبادئها.

كما أن فشل محاولات الاغتيال يمنح القيادة الناجية زخماً كبيراً، خصوصاً حين تواصل التمسك بخط المقاومة السياسية. ولهذا فإن قادة مثل خليل الحية، وزاهر جبارين، وباسم نعيم، وغازي حمد، الذين نجو من محاولات الاغتيال الأخيرة، باتوا يحظون بتقدير أوسع على المستويين الوطني والإقليمي، ويشكلون مصدر إلهام لجماهير مضاعفة قياساً بما كانوا يحظون به قبل العملية الفاشلة.

فمجرد استهدافهم يثبت أنهم كانوا عقبة حقيقية أمام الاحتلال، وأن إسرائيل كانت مستعدة للمغامرة بمصالح كبرى من أجل تصفيتهم، وهو ما يعزز مكانتهم الرمزية ويزيد تعلق الجمهور الفلسطيني والعربي بهم.

يشكل فشل محاولة اغتيال وفد حماس في الدوحة نقطة تحوّل مهمة، إذ حوّل الاغتيال من أداة أمنية في يد الاحتلال إلى عبء يلاحقه، ويكرّس صورته كدولة مارقة تستحق العقوبات الدولية.

صحيح أن هذه العمليات قد تترك آثاراً سلبية مؤقتة، مثل إرباك في كفاءة العمل الميداني أو انحسار النشاط السياسي والتنظيمي نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة، لكن تجربة المقاومة خلال معركة طوفان الأقصى أثبتت امتلاكها هيكلية مرنة قادرة على التعويض السريع، واستمرار القيادة والسيطرة عبر تكتيكات لا مركزية.

وبعد فشل محاولة الاغتيال الأخيرة، ستسعى حماس إلى تعزيز تماسكها التنظيمي، وتحويل الحدث إلى مكاسب سياسية وإعلامية، من خلال تحميل الاحتلال مسؤولية انتهاك القوانين الدولية، وتوظيف ذلك في تعزيز شرعيتها، ودعم موقفها التفاوضي، وتوسيع قاعدة التعاطف مع الشعب الفلسطيني.

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
شهداء جُدد تحت ركام غزة.. والاحتلال يواصل سياسة “هندسة التجويع” ومنع المساعدات
الاحتلال الإسرائيلي ينذر بمهاجمة ميناء الحديدة في اليمن خلال ساعات
مفوض حقوق الإنسان الأممي: هجوم إسرائيل على قطر انتهاك صارخ للقانون الدولي
لجنة تحقيق أممية تؤكد ارتكاب إسرائيل إبادة في قطاع غزة وتدعو المجتمع الدولي للتحرك
16 دولة منها تركيا تعلن دعم "أسطول الصمود العالمي" المتجه إلى غزة وتحذّر من أي اعتداء عليه
وزير الخارجية الأمريكي روبيو يزور قطر لحثّها على الاستمرار في الوساطة بشأن غزة
أردوغان: العالم متأكد من ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.. وحل الدولتين أصبح إرادة عالمية
جيش الاحتلال يجدد إنذاره بإخلاء غزة ونتنياهو يعلن "هجوماً مكثفاً" على المدينة
داعياً إلى مواصلة دورها في الوساطة.. روبيو: واشنطن والدوحة تقتربان من اتفاق دفاعي معزز
"انحياز سافر للدعاية الصهيونية".. حماس تندد بتصريحات ترمب بشأن المحتجزين في غزة
ترمب ينفي تلقّيه إخطاراً مسبقاً بهجوم قطر.. ومسؤول إسرائيلي: يقدّمون مسرحية.. لقد أبلغناهم
جيش الاحتلال يقتل 50 فلسطينياً في يوم.. ويبدأ هجوماً برياً لاحتلال مدينة غزة
بـ700 مليون يورو.. إسبانيا تلغي عقداً ضخماً لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية التصميم
"كيف تنامون؟".. ألبانيزي تتهم بلداناً بالتواطؤ في إبادة غزة والاستفادة من معاناتها
12 جريحاً بينهم نساء وأطفال جراء غارة إسرائيلية على النبطية جنوبي لبنان
استشهاد عامل فلسطيني في الضفة.. والاحتلال يقرّر الاستيلاء على سقف المسجد الإبراهيمي